أثارت المعايدة بوسائل الاتصال والتواصل الحديثة قبل صلاة العيد بيوم أو يومين.. أثارت هذه الرسائل المتبادلة التساؤل عن حكمها الشرعي في الأوساط الاجتماعية المختلفة خاصة بعد أن أفتي بأن هذه بدعة فرسول الله صلى الله عليه وسلم لم يهنئ بهذه المناسبة الشرعية إلا بعد انتهاء الصلاة!!، الأمر الذي دعى البعض من العلماء وطلبة العلم إلى أن ينبروا لهذا الأمر ويدرسوا المسألة ومن ثم يصدروا فتواهم بأن التهنئة عادة حسنة ولا تدخل في دائرة العبادات، والأصل في التهاني عموماً وكل ما هو من قبيل العادات الحل والإباحة وتوصيف هذا السلوك بأنه بدعة ليس حق.
إن الخلط بين ما هو عبادة محضة وعادة صرفة إشكالية متجذرة في فهم البعض منا، ومع معرفتي بأن العادة محكمة كما تقول القاعدة الفقهية المعروفة إلا أنها تحكم بضوابطها المعروفة عند الفقهاء وعلماء الأصول الذين يعرفون فحوى الدليل ويفرقون بين العام والخاص والمطلق والمقيد والناسخ والمنسوخ ويفهمون مناط الحكم ويفرقون بين مراتب التكليف.. ولقد كتب في هذه المسألة الهامة علماء مبرزون ومعروفون في الأوساط العلمية بالحذق والدراية والدربة لعل من أشهرهم في هذا العصر فضيلة الشيخ الأستاذ الدكتور يعقوب بن عبد الوهاب الباحسين (العادة محكمة: دراسة نظرية تأصيلية تطبيقية) ولأهمية ما كتب خاصة في عالم اليوم، ولكثرة المستجدات والتوسع في المباحات، ولحاجتنا إلى خارطة طريق في هذا المسلك الهام أضع هذا النص الثمين بين يدي القارئ الكريم لعل فيما كتب بيان وتأصيل للمسألة: (... إن وجود العادة أو العرف الذي يحسم الخلاف في المسألة يحتاج إلى إثبات، ومن الممكن الاعتماد على آراء الخبراء في ذلك، سواء كان ذلك في الأعراف الخاصة... أو في الأعراف العامة... وما لم يكن من العادات أو الأعراف حكماً شرعياً، ولا مناطاً له، فإنه يجوز العمل به ما لم يكن معارضاً لقواعد الشرع أو نصوصه، أو مقاصده، أو ما وقع عليه إجماع العلماء، ويدخل في ذلك كل ما استدعته متغيرات الحياة الاجتماعية والاقتصادية والعلمية والأمنية والدولية وغيرها..
وتتميز دراسة الباحثين عن غيرها بـ:
أ - أنها وضعت أركاناً للقاعدة، وجعلت للعادة أركاناً أيضاً، فجعلت للقاعدة ركنين هما: العادة والتحكيم. وجعلت للعادة ثلاثة أركان: هي المعتاد، أي الشخص في العادة الفردية، والجمهور في العادة الجماعية، أو العرف، والركن الثاني المعتاد عليه، أو محل الاعتياد، والركن الثالث، الاعتياد نفسه، أي تكرار العمل بالمعتاد عليه أو محل الاعتياد.
ب - إنها ميزت بين الشروط وجعلتها قسمين، شروط تكوين القاعدة، وشروط تطبيق القاعدة، واقتضى هذا إضافة شروط أخرى، لم ينص عليها العلماء.
ج - أنها حاولت ضبط المجالات التي يعمل فيها العرف، ونظمتها بطريقة جمعت فيها المتشابهات ضمن مجموعات معينة، مما يسهل فهم وإدراك هذه المجالات ويمكن الفقيه والقاضي من تطبيقها على ما يجد من الأمور، وتخريج المحتاج إليه، مما مبناه على العرف.
أتمنى من المولعين بالكتابة وكذا الباحثين وطلبة العلم وأنصاف المثقفين الذين يتصدرون منابر الإفتاء والتوجيه والإرشاد ويتسابقون إلى إسداء النصح عبر وسائل التواصل المختلفة الرجوع لمثل هذا الكتاب في هذا المبحث الهام قبل أن يكون منهم المبادرة والتسابق للتوقيع عن الله، دمتم بخير وعيدكم مبارك وإلى لقاء والسلام.