يحيى عبداللطيف عياش ومحمد عبدالرؤوف المبحوح مناضلان فلسطينيان من الطراز النادر في تاريخ الكفاح الفلسطيني. الأول ولد في طولكرم ودرس الهندسة الكهربائية وانخرط في قضيته الوطنية بالكامل حتى سماه الصهاينة مهندس العبوات الناسفة. النهاية كانت في بيت لاهيا شمال غزة، مات اغتيالاً بهاتف نقال ملغوم دسه له خاله الفلسطيني كمال حماد الذي كان عميلاً سرياً لجهاز المخابرات الإسرائيلية. ما بين ولادة واغتيال يحيى عياش، عاش الشهيد ثلاثين سنة فقط، لكنها كانت في العمل الوطني بمثابة ثلاثة آلاف سنة عند مقارنتها بمناضلي الفضائيات والفنادق المتاجرين بالقضية الفلسطينية وبالزيت والأرز والأسمنت والعمالة لإسرائيل.
المناضل الثاني محمد عبدالرؤوف المبحوح من مواليد 1943 م، عام النكبة، في عسقلان، وعاش مشرداً بين المخيمات والشتات العربي. سماه اليهود الفلسطيني الشبح، وكان إسحاق رابين يقول: أخشى أن يكون المبحوح جالساً بيننا ونحن لا ندري. مات اغتيالاً في مدينة دبي في يوم 5-1-1996م. أكثر من عشرة عملاء غربيين ويهود اخترقوا كل التحصينات الأمنية في دبي ووصلوا إلى محمد المبحوح في الفندق، فصعقوه بالكهرباء وهو نائم لشل مقاومته ثم خنقوه. عرضت دبي صور وأسماء وأرقام جوازات السفر لكل أفراد فريق الاغتيال، وبعضهم من جنسيات أوروبية غربية وشرقية ويهود، فمنعت أمريكا جميع السلطات الأمنية الدولية من التعرض لهم وتسليمهم للعدالة. كان الميت عربياً فلسطينياً رخيص الدم، والمغتالون يهود صهاينة وغربيون. القتيل ليس له في هذا الزمن أقوام كرام يدافعون بالغالي والنفيس عن الدم والعرض والمال، أما القتلة فلهم من ذلك الشيء الكثير.
لم يكمل محمد المبحوح الخمسين عاماً قبل اغتياله، عاش في المنافي ومات في أحدها مخنوقاً كعابر سبيل.
أرجو أن يصدقني القارئ إذا قلت إنني بكيت في داخلي بكاءً حزيناً ذليلاً مكبوتاً عند سماعي بمقتل كل من يحيى عياش ومحمد المبحوح.
اليوم يوافق عيد الفطر للعام 1433 الهجري، وهذا العيد يأتي وقد سالت دماء عربية كثيرة لا تعد ولا تحصى، ليس على يد الصهاينة ولكن على أيادي زعماء عرب خونة يستتر الصهاينة خلفهم. لعل هذه الدماء تكون هي التي تطهر أرض العرب من أدران الخيانة. في هذا العيد تذكرت الشهيدين يحيى عياش ومحمد المبحوح، وذكرت أن أهل بيتيهما تمر عليهم الأعياد بدون أبويهما، فأحببت أن أقول باسمي وأسرتي وباسم كل من يريد من القراء الكرام: عيدكم مبارك يا أهل البيتين الكريمين من آل عياش وآل المبحوح. اطمئنوا، هناك غيركم آخرون لم ينسوا تضحيات الشهيدين النبيلين تغمدهما الله بواسع رحمته.