أرى أن ما قاله فضيلة الشيخ الدكتور عبداللطيف بن عبدالعزيز آل الشيخ الرئيس العام لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عن تجربة دخول الشباب إلى المجمعات التجارية بالرياض مطمئناً ويدعونا إلى التفاؤل في أن يأخذ مجتمعنا المسار الطبيعي في علاقته مع الشباب. فالشباب هم مِن المجتمع وليسوا «نبتة» غريبة، وتربطهم بالمجتمع علاقة انتماء تجعلهم حريصين عليه مثل بقية أفراد المجتمع الآخرين، بشرط أن لا نستفزهم أو «نشيطنهم» برسم صورة ذهنية تعميمية سيئة عن جميع الشباب فندفعهم إلى التذمر والتمرد على المجتمع.
يقول رئيس الهيئة في حديث لجريدة «عكاظ» في عددها الصادر يوم السبت الماضي الموافق 30 رمضان 1433 في إجابة على سؤال لمحرر الجريدة الأستاذ عبدالله الغامدي عما إذا كانت تجربة السماح للشباب في الرياض بدخول المجمعات التجارية قد أدت إلى تناقص المعاكسات في الأسواق: «أكيد وبشكل كبير جداً، وفي السابق كان الشباب يتكدسون عند أبواب المجمعات التجارية لمعاناتهم من الحرمان والدخول للأسواق وقضاء حاجاتهم فيها او قضاء أوقات للترويح عن أنفسهم، وبعد السماح للشباب بالدخول للأسواق قلَّت بشكل كبير الأخطاء التي ترد منهم، وهي أخطاء لا تعتبر ناتجة عن شر متأصل إنما أخطاء بسيطة تُحَلْ بالمعاملة الطيبة والرجوع للحق، وشبابنا متى ما أعطوا الثقة فإنهم يتحملونها. أما وجود شواذ من بعض الأشخاص فهذا موجود في كل مجتمع وفي كل دولة».
هذه النتيجة التي انتهت إليها التجربة منطقية، فكل ممنوع مرغوب، وقد أثبتت التجربة هنا وفي بلدان أخرى كثيرة أن التشدد في «المنع» يدفع الناس للبحث عن ذلك الشيء الممنوع. وعلى سبيل المثال، كان الكثيرون منا يحرصون عندما يسافرون إلى الخارج على شراء وقراءة بعض الكتب التي يُمنع دخولها للمملكة ثم نُفاجأ بعد قراءتها أنها هزيلة ولا تستحق القراءة أصلاً، ولو لم تكن ممنوعة لما سمع عنها أحد منذ البداية!
أما «منع» الشباب من دخول المجمعات التجارية فأقل ما يمكن أن يُقال عنه - في رأيي - هو أنه إجراء «محرج» يصعب تفسيره لأي زائر للبلد سواء كان هذا الزائر صحفياً يبحث عما يكتبه عن البلاد أو زائراً عادياً، فالمعنى الضمني لهذا الإجراء هو أن شبابنا سيئون وليسوا محلاً للثقة، وبالتالي لابد من حماية المتسوقين - وخصوصاً النساء! - من شرورهم. وبذلك فهم يختلفون عن شباب الدنيا كلها، إذ لا نسمع أن الشباب يُمنعون من دخول المجمعات التجارية والأسواق في أي بلد آخر في الدنيا.
الإجراء المنطقي هو أن يكون هناك نظام واضح يحمي حقوق جميع الناس وخصوصياتهم في الأسواق وفي غيرها، وأن تكون هناك عقوبات لمن يخرق النظام، وأن تُطبق هذه العقوبات بشكل حازم وصارم من الجهات المختصة على من يثبت انتهاكه لها. وبهذا وحده نكون مجتمعاً طبيعياً لا أن نتوسع في «المنع» تحسباً لوقوع سلبيات، فلو نظرنا فقط إلى جانب السلبيات المحتملة من أي شيء لما سمحنا بأي شيء على الإطلاق.
alhumaidak@gmail.comص.ب 105727 - رمز بريدي 11656 - الرياض