طالما أن عطر “عيد الفطر” عند المتفائلين والبسطاء والأطفال لا يزال يضوع، وشذاه يعطر الأنفاس، فلا بد أن نتلمس ما هية هذه المناسبة وهويتها؟ وسبل المحافظة عليها مع غيرها من المناسبات التي تصطبغ في الغالب بمسمى الأعياد، وما يليها من مناسبات اجتماعية متنوعة، تعارف عليها الناس منذ أمد.. فحري بنا أيضاً أن ندرك أهميتها ودورها في بناء العلاقة الإنسانية والجمالية بين أفراد المجتمع.
ومع أن مناسبة العيد على وجه الخصوص تأخذ على الدوام بعداً دينياً نستشعر معه البناء الروحي والسلوك الوجداني وانثيال العواطف وتهدج المشاعر بفرح غامر إلا أنها بدأت -للأسف- تنحو إلى أبعاد مادية يستغلها البعض ويروج لها لتتحول إلى حالة تربحية تتغلغل في مفاصل الحياة اليومية حتى اقتربت هذه المناسبة -رغم أهميتها- من مفاهيم الترويج المادي، والترتيب الاقتصادي وهواجس الكسب والخسارة! فالترويج لأيام العيد بات يتم على هيئة عرض للمنتجات والمبيعات والسلع حتى انغمس المجتمع في محاولاته لفك التشابك بين فكرة روحانية العيد وعواطفه وبين ما طرأ من هموم مادية تتمثل في الإنفاق والصرف على هذه المناسبة لا سيما وأن (عيد الفطر) يأتي بعد شهر رمضان الكريم الذي شهد حالة من الإنفاق غير المبرر بشهادة التجار والجهات التي ترصد هذه التحولات.
أين تذهب مداخيل ومكاسب وإيرادات العيد؟!.. وفي جيوب من تنسكب هذه الأموال؟! ومن المستفيد؟..
أسئلة مهمة تنزع في مجملها إلى رغبة الاستقصاء لمعرفة من المتسبب فعلا في هذه الحالة المادية الجامحة التي يعد لها تجار الجملة والمفرق وما بينهما من موزعين ووسطاء، لتعلو نبرة: من المتسبب في غلاء السلع وارتفاع الأسعار؟!
وحينما نتلمس المظاهر المادية في الأعياد على مستوى العالم من حولنا نلفيها وقد استحالت أيضاً إلى معضلة عالمية يدفع ثمنها البسطاء في كل مكان من العالم، إذ يقر الكثير من المخططين والمنفذين في الكثير من الدول أن المناسبات والأعياد فرصة سانحة لتعزيز دعامة اقتصاد الكثير من البلاد.
فنحن نعرف أن “بريطانيا” على سبيل المثال انتعش اقتصادها الوطني بشكل لافت بفضل ارتفاع عائدات المبيعات في مناسبات الأعياد الأخيرة عيد العرش والعيد الوطني وأعياد العام الجديد، من هنا يتأكد لنا أن اقتصاديات الأعياد باتت مهمة والعمل عليها أصبح سمة يتعاطها الجميع، بل ويروج لها بشكل كبير حتى تكاد أن تصبح الدعاية لها أكبر حجماً من المناسبة.
وما دمنا نسلم بأن هذه الأعياد لم تعد من قبيل المناسبات المعنوية البريئة والبسيطة كما كان في السابق، إنما باتت مزيجاً بين ما هو معنوي يدغدغ مشاعر الصغار الأبرياء والبسطاء وبين ما هو مادي يضرب أطنابه بقوة وعمق، لذا نحن بحاجة إلى مشاريع تستثمر هذه المناسبات لكن بضوابط وأخلاقيات تجارية ناجزة لا تطغى عليها رغبة المال وأن لا تكون آنية وذات وقت محدود ومن ثم تقفر ولا تجد من يؤمها أو يتفاعل معها.
ومن نتائج دخول الهدف المادي والعنصر التجاري والترويجي أو ما نتعاطاه الآن بمسمى الاقتصاديات فإن المناسبات البريئة وصباحات العيد العفوية باتت للأسف كأنها مآتم..
لتبتليك في نهاراتها الهواجس، وتعتريك هموم من تعول، وتتذكر وجوه من رحلوا إلى رحمة الله من أهلك ومحبيك، وتهاجمك حالة البلادة والخواء حتى تتمنى أنك لم تقع في هذا المأزق الحضاري الباهت.. الموسوم بأعياد المدن.
hrbda2000@hotmail.com