قبل عقد من الزمان، كنت لا أزال أعمل في الصحافة المحلية، وقد كتبت خبراً بعنوان «مواطن يتزوج 3 معلمات في ليلة واحدة» وكان ملخص الخبر أن إحدى المعلمات الراغبات في الزواج كانت قد تقدمت للجمعية الخيرية لمساعدة الشباب على الزواج في محافظة الطائف، وعندما تقدم إليها عريس، اشترطت عليه أن يتزوج معها معلمتين من صديقاتها، كي يكن بجوار بعضهن، ولا يفترقن بحكم الصداقة الوثيقة التي تربطهن ببعض، وفعلاً، بعد تفكير طويل من العريس وبعد أن استخار الله، وافق على الزواج منهن، مبدياً لهن عدم مقدرته على فتح 3 بيوت، في وقت واحد، خاصة وأنه متزوج، ولديه أطفال من زوجته الأولى، فما كان من المعلمات الثلاث إلا أن وافقن على أن يقمن بأنفسهن، باستئجار 3 شقق متجاورة في عمارة واحدة، ويتولين أمر الصرف على أنفسهن، وقام المأذون الشرعي بعقد قران العريس على المعلمات، مشترطاً عليه أن يخصص أسبوعا لكل واحدة منهن في أيام الزواج الأولى، الطريف في الأمر أن المعلمات الثلاث كن يتجمعن لدى الزوجة التي تكون الليلة لها، ويقمن بواجب خدمات المنزل من طبخ وخلافه، ويبقين مع بعضهن عندما يكون العريس عند زوجته الأولى.

الغريب أن هذا الخبر بدأ الآن في الانتشار بشكل كبير عبر وسائل التواصل الاجتماعي التي لم تكن منتشرة في زمن نشر الخبر، حتى أنه وصلني شخصياً عبر شبكة من شبكات التواصل الاجتماعي، وكان محملاً بأسئلة كثيرة أغلبها من السيدات عن مدى مصداقية الخبر، وقد أوضحت أن الخبر صحيحاً، وليس خبراً مفبركاً، حيث إن الجهة التي حصلت من خلالها على الخبر هي التي قامت بتزويج الرجل.

وظاهرة زواج المعلمات الجماعي من رجل واحد ليست غريبة، فقد سبق هذا الخبر أخبار أخرى عن زواج مديرة مدرسة مع معلمتين من نفس المدرسة من فراش المدرسة الذي كانت زوجته الأولى تعمل فراشة في نفس المدرسة.

هذه الظواهر الاجتماعية بحاجة إلى دراسة، ولا أعلم لماذا لا يقوم المختصون في علم الاجتماع بعمل دراسات حولها، حيث تعكس الكثير من الجوانب، أهمها:

أولاً: إن هؤلاء الفتيات لم يعدن يفكرن في الفوارق الاجتماعية، بينهن كمعلمات متعلمات، يحملن على الأقل درجة البكالوريوس وبين فراش المدرسة، أو هذا المواطن الذي يعمل بشهادة المتوسطة، في حالة المعلمات الثلاث، المقصودات في الخبر.

ثانياً: لم يعدن يفكرن في النظرة الاجتماعية لهن، فهناك سلطة اجتماعية لها تأثيرها، فكيف ستواجه مديرة المدرسة ـ على سبيل المثال ـ المجتمع بزوجها الفراش، وهذا ليس تقليلاً من شأنه، وإنما خلق الله البشر طبقات، فـالله تعالى يقول في القرآن الكريم « ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات، ليتخذ بعضهم بعضاً سخريا « الآية 32 من سورة الزخرف.

ثالثاً: هذا الأمر ناتج عن وجود مشكلة اجتماعية تتمثل في خوف الفتيات من العنوسة، وقد اجتهد الدكتور عبدالله الفوزان، أستاذ علم الاجتماع المشارك في جامعة الملك سعود من خلال البحث في قضية العنوسة، والذي كشف عن توقع بزيادة عدد العوانس خلال السنوات الخمس القادمة من مليون ونصف وهو الرقم الحالي، إلى أربعة ملايين عانس، وهي أرقام مخيفة تدعو إلى ضرورة تحرك المجتمع في سن قوانين لحماية بنات المجتمع من هذه الظاهرة، كما يشير في دراسته إلى أن العام الماضي شهد حدوث 18 ألف حالة طلاق مقابل 60 ألف عقد زواج، وهنا تظهر مشكلة أخرى، وهي بقاء عدد كبير من المطلقات أيضا بلا زواج، كثير منهن إلى نهاية حياتها، وبذلك تتقلص فرص الزواج لدى عدد كبير من الفتيات، هناك مشكلة حقيقية علينا أن ندرسها ونتوقف عندها، ونعمل على معالجتها.

رابعاً: مثل هذه الأخبار تعكس الجرأة لدى الفتيات، في الارتباط بزوج، متزوج وأيضاً في دعوتهن صديقاتهن للارتباط بنفس الرجل، الأمر الذي يفسر أسباب لا مبالاة الفتيات في هذا الزمن بالنظرة الاجتماعية لهن، بسبب الخوف من شبح العنوسة الذي بات يطارد كافة فتيات المجتمع.

هي دعوة حقيقية لكل الآباء وللمؤسسات الاجتماعية، وللمتخصصين في مجال علم الاجتماع أن يتعاون الجميع لحل هذه الظاهرة، من خلال توعية المجتمع وإقناع الأسر السعودية بتخفيف أعباء الزواج في مجتمعنا الذي يمثل فيه الإناث نسبة 49،9% وفقاً لآخر الإحصاءات.