الأحلام بأنواعها وأنماطها، في يقظة كانت أو في منام، تعبيرٌ بريءٌ ولا إراديّ لما ترغب فيه نفسٌ أو ترغبُ عنه، وتزداد الأحلام أهميةً كلما احتفظت بـ(خصوصيتها) بعيداً عن أعين وأسماعِ وفضولِ المتطفلين من الناس، فلا تتجاوزٌ صاحبَها إلى سواه من الخلق، عدا أن يكونَ هذا (الخلقُ) محباً ومخلصاً وحميماً لصاحب الحلم، فيحجبَه عن (العلن) ولو لأقرب المحبين له!
- والتجول في (روض الأحلام) سياحةٌ ذاتية للنفس، وخلوة حميمة مع (هواجسها) ونوازعها المتداخلة حيناً، والمتناقضة أحياناً، بين ألم وأمل، وحب وكره، وخوف وفرح، ورغبة في شيء وأعراض عنه.
- وحديثُ اليوم.. ليسَ عن أضغاثِ أحْلامٍ تَعبثُ بالعقل وتفتِنُ الوجْدانَ في يقْظةِ عين.. أوْ في اسْتراحِتها، كما سلف التنويه عنه، بل يتَعلّقُ بمنْظُومةٍ مضيئة من الآمالِ والأماني والرُّؤَى التي تراودُ الخاطرَ بَحْثاً عن معادلةٍ آمنةٍ للسعادةِ، المعطّرة بالإيمانِ بالله والرّجَاء فيه، وتُؤَطَّرُها فضيلة التَّفاؤُل طَمَعاً في حالٍ أفْضلَ من حَالٍ، قوامُه العيشُ الكريمُ، الماديُّ منه والمعْنَويُّ، بما فيه من زادَ للبَدَن.. ويَقْظَةٍ للفؤادِ، وشِفَاءٌ للروح من أوْضَار العَصْر!
- وأحسب يقيناً أن الحياةُ بدُون هذا النَّمطِ من الحُلمِ المتَفَائِلِ، أو التَّفاؤُلِ الحَالمِ، إنما هي كَليْلِ شَتاءٍ جَامدِ أو ضُحىَ صيفٍ مشْتَعلٍ، في كليهما أذىً للبَدَن والرُّوحِ معاً، والمقصودُ من العبارات السابقة أن (السياحة في دهاليز الحلم البريء) تقومُ بدور المنشَّط لخلايا الروح التي (أضناها الزمن) حتى ولو انتهت بـ(وعد) بعيد المنال!
- ورداً على استفزازية هذا السؤال أقول:
- تحثُّني الرغبةُ أحياناً على الفِرَار من زَوابع الحاضر وفِتَنِه وإخْفاقَاتِه إلى واحةٍ الحُلْمِ الرابض على رُبَى التفاؤُل الجميلِ، ويمكن وصفُ حالة (الفِرَار) هذه بأنّها ضِرْبٌ من (التمرُّدِ الصَّامتِ) تمارسه الذات في سكون وتَفَاؤُلٍ، سِرّاً يشبه العلن، أو علناً يشبه السر، وهي تفعل ذلك (احتجَاجاً) على ما تراه رمْزاً للإِحْبَاطِ في عالمنا الحزين!
- دعوني أحدَّد معالم (الحلم) الذي أتحدث عنه، فأصفه بأنّه ذلك (الطيف) الذي أرغبُ (فيه) وأرغَبُ (عنه) في آنٍ وهو حالةٌ من نُورٍ ونَار!
- فهو نورٌ كلَّما اقترنَ بالوسيلةِ المبدِعةِ لتَحْقِيقِه!
- وهو نارٌ كلّما حلّقَ بصَاحِبه في أجْوَاءٍ يحْتضنُها السَّرابُ! فإذا استَعَاد وعيَه، أو عَاد إليه وعيُه، لم يشهدْ إلاَّ ألسِنَةً من لهَبَ الفشَل تحرق بشارة التفاؤل، ويغدو الحلم كسراب يحسبه الضمآن ماءً!
- والحلم موضوع هذا الحديث أصناف!
- منه ما قد يَرْقَى إلى مسْتَوى الإلهَام إلهاماً!
- ومنه ما قد يهْبِطُ إلى قَاعِ الفَشَل غُثاءاً!
- ومنه ما تُبدّدُه ريحُ الغُلوّ.. فيغدُو هَباءً منثُوراً! وعندئذٍ، يتحوَّلُ الحُلْمُ إلى (فَضَلاتٍ) تحتجزها خلايا العقلَ الباطنَ ولا تُؤَْتِي خيراً!
وبعد..،
- فقد علّمتْني الحياةُ أن أمرَّ الأحلام أعذبُها أحياناً، لكنّها في هذا الحال تَظَلُّ أطْيَافاً لا (تُضِيئُ) شمعة حق ولا (تُطْفِئُ) جمرة بَاطِل، لكنه في كِلُّ الأحْوالِ، يظلُّ نجْوىً مغلّفةً بخصُوصِيّةِ (الأنا) التي تَمنَحُ (الحُلْمَ) شأناً خاصاً لا شأنَ لأحدٍ به ولا سيطرةً ولا سلطاناً!