التسامح من أسمى الخصال وأنبلها على الإطلاق، يجعل قلوبنا أصفى، ومشاعرنا أنقى، ويدفعنا دفعاً لهدوء الروح ورقيّها. التسامح صفة قد يتعلّمها الإنسان بسهولة لكن تنفيذها صعب، لهذا قيل بأنها صفة الأقوياء وسمة الشجعان ودليل الشهامة. فمن منا لم يتعرّض للألم من مواقف معيّنة، من منا لم يهدر طاقته في الغضب والضيق والحزن، لهذا من الأفضل أن تسامح وتقتنع بأنّ الحياة قصيرة وواحدة ليس لها إعادة، فإن انتهت لن تعود...
لكن بعض الناس يفهم التسامح بطريقة خاطئة، فمنهم من يقول هو ضعف، تقبل للإهانة، سلبية.. ولو فكر هؤلاء قليلاً لأدركوا أنّ الفائدة الأولى من التسامح تعود على المتسامح نفسه، واللذة والراحة النفسية الحاصلة له بتسامحه وعفوه تغذِّي روحه وأفكاره، وتغمره بالإيجابية، وتمنحه اتزاناً روحياً وذهنياً، واتزاناً في المشاعر والأحاسيس، وبالتالي اتزاناً كاملاً شاملاً. أما العكس فيُورث قلب صاحبه حقداً وكرهاً وتعباً، ورغبة جامحة في الانتقام.
وختاماً لهذا الكلام.. ليس أصدق من قصة خليفة رسول الله أبي بكر الصديق رضي الله عنه، مع ابن خالته الذي آذاه في ابنته الطاهرة البريئة، زوجة أشرف خلق الله. قال الله تعالى في محكم كتابه: {وَلَا يَأْتَلِ أُوْلُوا الْفَضْلِ مِنكُمْ وَالسَّعَةِ أَن يُؤْتُوا أُوْلِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}، وهذه الآية نزلت في الصدّيق رضي الله عنه حين حلف أن لا ينفع (مسطح بن أثاثة) بنافعة أبداً بعدما قال عن عائشة ما قال في حادثة الإفك، فلما نزلت براءة عائشة وطابت نفوس المؤمنين، وتاب الله على من تكلّم في ذلك، وأُقيم الحد على من أُقيم عليه، شرع الله يُعطف الصدّيق على قريبه، وكان مسكيناً لا مال له إلاّ ما يُنفق عليه من الصدّيق. فلما سمع صاحب رسول الله قوله {أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ}، قال: بلى والله وإنا نحب أن تغفر لنا يا ربنا، وأرجع إلى قريبه صلته.
أفلا يكون التسامح صفة الأقوياء بعد ذلك ؟
- الرياض