اللهم لك الحمد على ما قضيت وقدرت ولك الشكر على ما دفعت ومنعت، امنن علينا بالصبر وأفض علينا من بحر الرضا، فالتوفيق توفيقك والعون عونك والمخذول من استنصر بغيرك، وصلى الله وسلم على سيد الصابرين وإمام المتقين حزن قلبه للفقد وذرفت عينه للفراق ولم يقل إلا ما يرضي ربه وعلى صحبه الكرام والتابعين ومن تبعهم بإحسان.
ثاني أيام رمضان من عام ألف وأربعمائة وثلاثة وثلاثين للهجرة فقد أهالي الطرفية الشرقية في منطقة القصيم والمنطقة ككل رمزاً من رموزها عنوانه (وقف المحتاجين والمرضى والشاكين) إنه الشيخ عبد الله بن محمد العبيدان رحمه الله وأسكنه فسيح الجنان.
لست ممن يسارع في تطريز المدح والثناء وتدبيج عبارات الإطراء ولكنني في هذا الموقف في ضعف بشري لم استطع فكتبت وفاءً وحقاً ورداً للجميل بعض ما أعرف من مآثر هذا الشيخ وأسأل الله الصفح والمغفرة عن الزيادة والنقصان. عرفته منذ أن فسح لي مساعدته بإمامة الناس في صلاة التراويح عام 1407هـ حيث شجعني وزرع بي الثقة ووجهني ولم يعجل علي.
كان مؤدباً متواضعاً يصبر على أصحاب النفوس النزقة من جماعة مسجده فعلى كثرة نقد بعضهم له إلا أنني لم أسمع صوته ارتفع يوماً من الأيام.
يحرص على أخذ العلم من أهله مع كبر سنه فقد أوصاني ذات مرة لسؤال الشيخ ابن عثيمين عن مسألة فقهية فسألته فنقلت له رد الشيخ، وكان ينصت لحديثي إذا حدثت في المسجد وكأنه لم يسمعه من قبل ولم يعترض علي في كلمة ألقيتها في المسجد إنه التواضع ونكران الذات، أعجب منه وصاحب الحاجة يأتيه آخر الليل وكأنه (قسم طوارئ) فيستيقظ ويلبي له حاجته (رقية، مال، شفاعة..).
ما أعرف أن سائلاً جاء في المسجد فلم يعطه وإذا لم يجد شيئاً طلب مني أن أقرضه فيعطي السائل فما أعجل ما يرد القرض. بيني وبينه أكثر من خمسين سنة ومع ذلك يصلي بنا في صلاة القيام ويطيل ونتعب ونرهق وهو لا يحس بذلك بل يرغبنا ويحثنا على إطالة القراءة.
قد لا يجيد العبارات المنمقة والنقول المرتبة في خطبه ولكن حين تتحدر قطرات الدمع من عينه متأثراً خاشعاً باكياً ويخفت صوته يهز وجدان الحاضرين ويؤثر بالسامعين.
ما عرفت الشيخ يسعى في دنياه لنفسه بل جل وقته للناس ما بين إمامة مسجد وقضاء حاجة محتاج ورقية مريض وإطعام فقير وزيارة مريض. فقد نفع الله به جموعاً من المرضى يرتادونه من شتى بقاع دول الخليج وكان لا يقبل أن يعرض عليه المريض أي مبلغ مادي مقابل رقيته على الرغم من الإغراءات المادية التي عرضت عليه. كان أولاده في آخر حياته رفقاً به يمنعونه من رقية بعض المرضى ولكنه لا يلتزم بنصائح أبنائه إنه البذل منقطع النظير.
أشهد بكرمه وسخائه فما يصلي معنا ضيف في المسجد إلا ويلح عليه تكراراً ومراراً باستضافته، وما طلبنا منه شيئاً للمسجد فيتلكأ بل يبادر ويساهم. من خلال رؤيتي لحياته أدركت أن النفع والأثر ليس مربوطاً بالشهادات والفلاشات والتغريدات والمقالات فحسب بل توفيق من الله وصدق وبر وإحسان.
اللهم إني أحسب أن عبدك عبد الله العبيدان من عبادك الأخيار وأنت حسيبه ولا أزكي عليك أحداً اللهم فاجعل قبره روضة من رياض الجنة واغفر له وارحمه ووالدي وجميع المسلمين.
عبد الرحمن العيد - الطرفية
aled35@hotmail.com