أخيراً وافـق الأخــضر الإبراهيمي على قبول منصب الممثل الخاص المشترك في سورية، خلفاً لكوفي عنان.
الأخضر الإبراهيمي ليس جديداً على معالجة الأزمات الدولية، وله خبرة طويلة في التعامل مع تلك الأمور، حيث انغمس في السنوات الأخيرة في قضايا دولية معقّدة من قضية جنوب أفريقيا إلى العراق فلبنان وأفغانستان واليمن، وحقق في جميع تلك القضايا نجاحات دبلوماسية تجعل من قبوله المغامرة في التعامل مع قضية معقّدة وشائكة كالقضية السورية التي أسقطت قامة دبلوماسية دولية كبرى ككوفي عنان تحدياً جديداً ،فالتعامل مع القضية السورية صعب، وذلك لمراوغة النظام السوري وعدم تنفيذه للتعاهدات حتى التي يوقِّع عليها، ويتملّص من استحقاقاتها، كما أنّ تدخُّل قوى دولية مؤثرة كروسيا والصين اللتين تدعمان هذا النظام، يصعِّب من مهمة أيّ مبعوث دولي، لأنّ الموقفين الروسي والصيني يعرقلان توحيد موقف دولي قوي للضغط على من يعارض ويخرّب الجهود الدولية الساعية لحل الأزمة السورية. ومما يزيد من تعقيد الأزمة، تدخُّل دول إقليمية ومشاركة بعض هذه الدول بالمعارك، سواء بإرسال الأسلحة وحتى المقاتلين، فضلاً عن الدعم المالي والسياسي.
هذه التعقيدات الدولية والإقليمية والسورية، تجعل من مهمة الممثل الدولي والعربي مهمة صعبة جداً، دفع الممثل السابق كوفي عنان للقول إنّ «هناك مجانين يقبلون العمل لحل هذه الأزمة!!».
طبعاً الأخضر الإبراهيمي ليس مجنوناً، بل يُعَد أكثر الدبلوماسيين الدوليين خبرة وإنجازاً، فهو يعمل بصمت ومثابرة وله أسلوب يختلف كثيراً عن أسلوب كوفي عنان، فالأخضر واضح ويواجه من يعمل على عرقلة عمله دون مواربة، ولا يبحث عن الصدام ولا إلى عقد الصفقات، ويتجه إلى أهدافه مباشرة دون مواربة، ولهذا فقد طلب أن يكون مرتبطاً بالأمين العام للأمم المتحدة، بدلاً من أن يكون مرتبطاً بمجلس الأمن الدولي كسلفه كوفي عنان، وتغيير هذا الارتباط الذي أصرّ عليه الأخضر، حتى لا يكون أسير رغبات الدول الكبرى الخمس ذات العضوية الدائمة بمجلس الأمن، ولذلك سيكون عمله مرتبطاً بالقسم السياسي للأمانة العامة للأمم المتحدة وينسّق معها، ولهذا فقد انتقل للعمل داخل مبنى الأمم المتحدة، بدلاً من جنيف التي كان كوفي عنان يدير عمله منها.
الأخضر الإبراهيمي أعلن بوضوح أنه غير متأكد من نجاح مهمته، في ظل مراوغات النظام السوري وسعي القوى الدولية بما فيها واشنطن وموسكو وبكين إلى محاولات كسب الوقت كلٌّ حسب توجُّهاته ومصالحه، فالأمريكيون يريدون وقتاً حتى تنتهي انتخابات الرئاسة ليعرفوا من سيكون الرئيس الذي يتعامل مع الأزمة، أما الروس والصينيون فيلعبون على إطالة الوقت، مراهنين على قدرة النظام السوري على إخماد الثورة. الأوروبيون والعرب وحدهم الذين يريدون بصدق نجاح مهمة الأخضر الإبراهيمي، ولذلك جاء إعلان باريس ولندن عن دعمهما الواضح للمهمة. ورغم عدم إعلان الجانب العربي عن دعم مهمة الإبراهيمي، إلاّ أنّ مصلحة العرب الحقيقية في إيجاد مخرج للأزمة السورية تتطلّب تأييداً ودعماً يفوق كل ما قدّم لكوفي عنان.
jaser@al-jazirah.com.sa