للعيد في ذاكرة الذين تجاوزت أعمارهم الأربعين عامًا ذكريات جميلة، ومواقف محببة ما زالت حية في الذاكرة، تتجدد مع توالي الأعياد، في تلك الأعياد ممارسات لها طبيعة مميزة، ولها استعدادات وسمات خاصة، لم تعد تلك الممارسات موجودة الآن، رغم صلتها بالأطفال الصغار صبيان وبنات، بل لم يعد أحد من الذين خبروا تلك الممارسات ـ إلا القليل ـ يتذكر حتى مسمياتها، فضلاً عما يقال فيها من أناشيد وأعازيج.
لم يبق من تلك المظاهر إلا ذكرياتها التي بدأت تتلاشى من الذاكرة، ولكونها مبهجة مميزة مقارنة بما يحصل الآن، على الأقل من وجهة نظر من عايشها، يتبادر التساؤل التالي: أيهما أكثر بهجة وفرحة؟، مظاهر العيد في تلك الأيام الخوالي، أم مظاهره هذه الأيام؟.
حتماً لكل زمن بهجته، وله أساليبه في التعبير عن الفرحة، فالسابقون استمتعوا بمعطيات العيد ومظاهره المتعارف عليها، فعلوها فرحين بها مستأنسين، وهيأوا كل الإمكانات المتاحة للأساليب التي تعارف الأهل عليها، وربوا أبناءهم على ممارستها قبل يوم العيد وخلال أيامه، ويتردد بينهم أن أطفال ذاك الزمان كانوا هم صناع بهجة العيد وهم أبطالها، هم من يكسب العيد بهجته وفرحته وإشراقته، هم من يرسم الابتسامة على المحيا، تعلو الابتسامة عند رؤية الأطفال وقد تزينوا بملابسهم الجديدة التي غالبًا ما يقتصر التزين بها من العيد إلى العيد التالي، الأطفال هم فرحة العيد وهم يتجولون في الطرق الضيقة في القرى وفي أحياء المدن، يتنقلون من بيت لآخر يرددون الأهازيج والأناشيد مستبشرين بقدوم العيد، بينما هم اليوم مجرد متفرجين ليس إلا.
يتجمع الأطفال الأقارب ومعهم أبناء الجيران وكل واحد منهم لبس الجديد من الثياب، ثم ينطلقون يطوفون بين البيوت، يطرقون الأبواب وهم يرددون عبارات تطرب لها الآذان، تستجيب ربة البيت التي استعدت لهذه المناسبة بما تجود به يد رب الأسرة مما هو متاح كماً ونوعاً.
فمع إطلالة الأيام العشر الأخيرة من رمضان تبدأ ربة البيت بتحديد الاحتياجات التي تزمع تقديمها عيدية للأطفال والتي غالبًا ما تعتمد في كمها ونوعها على القدرة المالية لرب الأسرة، وهي مما هو متوافر في المحلات التجارية، حيث تتضمن عدداً من الأصناف المحببة للأطفال، من تلك الأصناف، القريض، والحلوى وهي غالبًا مدورة خشنة، وأخرى ملساء متعددة الألوان، بيضاء وحمراء وخضراء، وحب قرع وجح، وبسكوت أبو ميزان.
في اليوم الثامن والعشرين من رمضان تكتمل الاستعدادات لفعاليات العيد، ومع إشراقة اليوم التاسع والعشرين تبدأ مسيرات الأطفال بين البيوت مرددين عبارات تنبه ربات البيوت إلى حضور الأطفال طالبين عيديتهم، هذه العبارات تختلف من قرية لأخرى، في بعض قرى سدير يردد الأطفال بصفة جماعية (خبزوني زوني زوني)، سألت أحد الذين ردد هذه الصيغة، ما معنى خبزوني؟ فتح فمه مشدوهاً وقال: بصراحة لا أعرف ماذا تعني، هي صيغة كنا نرددها بكل فرح وطرب وشوق، وفي قرى أخرى يردد الأطفال (عطونا عيدنا عادت عليكم في حال زينه، جعل الفقر ما يجيكم، ولا يكسر رجليكم ولا أيديكم، حومونا دومونا)، يطلق على هذه الصيغة (الحوامة) وبهذا الاسم يعرف اليوم التاسع والعشرون بأنه يوم (الحوامة)، وهو مصطلح مفهوم مأخوذ من كلمة حام، حام حول البيت أي دار عليه، ومن هذه الكلمة أشتقت (الحوامة) وهي الدوران على البيوت من أجل طلب العيدية، وعلمت أن (الحوامة) معروفة في الرياض بهذا المصطلح، لكن لا أعرف ماذا يرددون في (الحوامة)، في شقراء يطلقون على اليوم التاسع والعشرين يوم (التشرط)، يقال: إشرط له، أو وش تشرط لي، أي تعطيني، فالتشرط يعني طلب العيدية.
المؤسف أن النسيان بدأ يطوي هذه المسميات ويمحوها من الذاكرة، فهل تتلطف جمعيات الثقافة والفنون بتوثيق هذه الفعاليات وحفظها قبل أن تمحى تماماً من الذاكرة.