شاهدت مقطعا في اليوتيوب لصاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز وهو يصافح الناس أثناء الطواف بالبيت العتيق بتواضعه المعهود وبسمته المعهودة، بلا حواجز ولا حرج، فاستعدت ذكريات عمرها ثلاثون عاما مع سموه الكريم. ووجدت نفسي أعجل بتسجيلها حتى لا يذهب بها النسيان، ثم قررت أن أشارك أحبتي قراء الجزيرة فيها، لأننا شركاء في حبه، ولأن في الذكريات عبر ودروس لا يصح أن أحجبها.
عرفت صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز في بداياتي الصحفية. فقد عينت مسئولا للتحرير في مجلة المجلة عام 1984م وطلبت موعدا للقائه، فجاءني الموعد بسرعة. وعندما التقيت به في مكتبه بإمارة الرياض في لقاء خاص صباح اليوم المحدد طلبت منه أن ينصحني، فقد جئت من خلفية الصحافة المحلية إلى آفاق الصحافة الدولية، ولا خبرة لي. فابتسم بأبوة حانية وهو يبين لي وجهة نظره في الأمر. قال أنت مواطن تعمل في مجلة دولية، فالأولى أن تهتم بمشاريع بلدك وانجازاتها، لا لتروج لها بدعاية مبتذلة، ولا حتى لتثنى عليها أو تمجدها، ولكن فقط لتنشر عنها حتى يرى الناس هذه الانجازات ويحكموا عليها بأنفسهم. فالحال يغني عن المقال، والحقائق تتكلم عن نفسها. وضرب مثلا بالقرية الشمسية التي أنشئت خارج الرياض وقتها، وكيف ان استطلاعا عنها يصف ويصور الواقع يكفي ليعطي القارئ فكرة عن المشاريع التنموية والعلمية في البلاد.
شكرته وحفظت درسه وطبقته طوال عملي ليس في الصحافة الدولية فحسب، ولكن في الصحافة المحلية التي عدت اليها عبر بوابة جريدة المدينة بعد ذلك.
وفي نهاية التسعينيات الميلادية كنت طالبا في الدراسات العليا بالولايات المتحدة، وأرسلت لسموه الكريم رسالة أشكو فيها وضعي كطالب على حسابه الخاص لسنوات، رغم أن تقديري ممتاز وفي جامعة معتمدة لدى وزارة التعليم العالي وتخصص تحتاجه البلاد (الصحافة والعلوم السياسية). لم أكتب له باعتباره أميرا لمنطقة الرياض، ولكنني كاتبت أبا يرعى مواطنيه وأبناءه في جميع أنحاء المملكة وخارجها، ويهتم بشؤونهم وقضاياهم اهتماما شخصيا.
وفعلا، لم يخب ظني في أمير الأمراء، فقد خاطب - حفظه الله - سفير خادم الحرمين الشريفين في واشنطن، الأمير بندر بن سلطان، فرد عليه سموه بأن الموضوع يخص وزارة التعليم العالي، فكاتب الوزير، وتابع معه حتى اتصل بي وكيل الوزارة وقتها، (معالي أمين عام دارة الملك عبدالعزيز حاليا)، الدكتور فهد بن عبدالله السماري، ليبشرني بفرحة الاخ لأخيه والراعي لطلابه بأن معاملتي تمت الموافقة عليها بناء على توصية الأمير سلمان، وطلب مني في الوقت نفسه ألا أثقل على سموه بالمتابعة الملحة.
وعندما أخبرت الدكتور بأنني لم أفعل ذلك، قال: إذن ما سر متابعة الأمير الملحة؟! لم أحر جوابا غير أن الأمير أحس بظرفي الصعب، وثمن نتائجي الدراسية الممتازة، واقتضت عدالته أن ينصفني من بطء الإجراءات الرسمية، أو جهلي بمساراتها، فيعجل بتحقيق المراد. ولم يكتف بذلك - حفظه الله - بل أكرمني بدعم مالي من حسابه الخاص، لمساعدتي على تجاوز الصعوبات التي شرحتها لسموه، نتيجة تأخر البعثة.
وبعد عودتي من السفر عملت في جريدة الوطن رئيسا للشئون المحلية، عام 2000م فطلبت لقاء سموه من جديد. وعندما التقيته في لقاء خصني به في مكتبه بمبنى الإمارة الجديد في قصر الحكم صباح اليوم المحدد، أهديته رسالة الدكتوراه، موقعة بأبي سلمان (تحت الاصدار). فضحك وهو يسألني عن ذلك، فأوضحت أنني أنتظر ولدا خلال أسابيع (كما توقع الأطباء) بإذن الله، فإن صح فقد أسميته سلمان تبركا بكم، وشكرا لكم لدعمكم لدراستي ومساعدتكم لي، لا حرمني الله منكم. قلب الرسالة بين يديه، وقرأ عنوانها باللغة الانجليزية وترجمه، ثم طرح عليا بعض الاسئلة وناقشني بشأن ما توصلت اليه. وأخيرا سألني حاجتي، فقلت النصح والتوجيه ياطويل العمر، لقد جئتك قبل خمسة عشر عاماً في مكتبك القديم وسألتك ماذا توجهني به في عملي الجديد بمجلة المجلة فقلت لي ركز على الحقائق ودع الحكم للناس. واليوم اجيئك وانا مسئول عن الشئون المحلية لصحيفة محلية جديدة لها اصدارات دولية، فبم توجهني؟ ضحك حفظه الله وقد بدا انه تذكر اللقاء السابق، واغدق علي بالمزيد من النصح والتوجيه. فسلمان لمن لا يعرفه مثقف آل سعود، ومؤرخهم، ورجل الاعلام فيهم. ننظر اليه في الوسط الثقافي والاعلامي العربي، وليس السعودي فحسب، على أنه ولي أمرنا وعمدتنا.
تواصلت مع سموه بعد هذا اللقاء، فقد كنت ارسل له اهداء من كل كتاب انشره، وكان حفظه الله يبعث لي بأسئلة محددة، دقيقة حول ما جاء في هذه الكتب، أرد عليها فيبعث لي بالشكر والتهنئة والتشجيع. كما كتبت له بشأن أناس بحاجة إلى عدالته، فأنصفهم رغم أن معاناتهم لا تقع في دائرة مسؤولياته حين كان أميراً لمنطقة الرياض.
هذا هو ولي العهد ونائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الدفاع الأمير سلمان الذي عرفت، والذي أعجبت به وأحببت، والذي أدعو له ما حييت.
وفق الله سموه، وأعانه على ما أوكل إليه، ووفقنا جميعا إلى عونه والدعاء له.
kbatarfi@gmail.com