هذا شهر رمضان أزف رحيله وقرب تحويله بما أودعناه فيه، فمن كان قد أحسن فليحمد الله ويسأل الله المزيد من فضله، ومن كان غير ذلك فليختم بالحسنى ويبادر بتوبة نصوح تجب ما قبلها، فالتائب من الذنب كمن لا ذنب له.
ما أسرع انقضاء الليالي والأيام تمر مر السحاب، فما أن استقبلنا رمضان إلا ونجد أنفسنا تعيش لحظة وداعه، وأي وداع ؟ وداع مشوب بالخوف والرجاء، وما أشد لحظة وداع الحبيب، كيف وإذا كان الحبيب شهر الخير والبركة، وكم من نفس تمنت أن تكون السنة كلها رمضان، ولكن هذه سنة الله في خلقه، بداية ثم نهاية قوة ثم ضعف شباب ثم هرم، وهذه خصائص الزمن ما مضى من لا يعود، فالكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني، وكم من نفس ستندم على فراقه، إما محسن لم يزدد، وإما مقصر قد فرط في أيامه ولياليه.
أخي الصائم : ليكن لك من رمضان واعظا، تذكر الصيام والقيام وتلاوة القرآن والبر والإحسان واجعل أيامك كلها رمضان، فإن الصيام والقيام لا ينقطع بخروج رمضان، فأفضل الصلاة بعد المكتوبة صلاة الليل، وأفضل الصيام صيام داود - عليه السلام - صوم يوم وفطر يوم، فبئس القوم الذين لا يعرفون الله إلا في رمضان، فرب الشهور واحد، ورمضان قد رباك على الطاعة، وتعلمت فيه كثيراً من أنواع العبادة، وإن أحب العمل إلى الله أدومه وإن قل، فقد لا تدرك رمضان القادم، واختم شهرك هذا بالعزم على الطاعة في كل لحظة وساعة، ولا تنس الدروس التي تعلمتها في رمضان، وعلمها للغير تنل البر والخير.
إن حال المسلم بعد رمضان وبعد الطهر والنقاء من الذنوب والآثام ينبغي أن تكون أحسن حالاً بعد أن غفر الله له ما تقدم من ذنبه بفضل صيام رمضان وقيامه إيماناً واحتسابا، فنعوذ بالله من الضلال بعد الهدى ومن الغواية بعد الهداية، ومن التواني والكسل بعد الجد في العمل.
يا من فرط في أيامه ولياليه أدرك ما مضى بما بقي من لحظاته الأخيرة، فالعمل بالختام، واعلم أن من صام رمضان وأتبعه ستاً من شوال فكأنما صام الدهر كله، وتذكر قول الله تعالى (واعبد ربك حتى يأتيك اليقين).
فاللهم اجعل لنا من شهرنا أوفر الحظ والنصيب. وأعده علينا أعواماً عديدة وأزمنة مديدة.
dr-alhomoud@hotmail.comالمعهد العالي للقضاء