وكما للعرب ربيعهم السياسي كسب من كسب وخسر من خسر، فإنّ للعالم الإسلامي ربيعاً أخضر وزاهراً... تأخرت دول التضامن الإسلامي في صناعة ربيعها، حين بدأت الإرهاصات في اجتماع 2005م، لكنها استيقظت في قمة مكة المكرمة 2012م التي دعا إليها الملك عبد الله، وأطلق شعلة وقبس الربيع الإسلامي على مستوى القيادات والزعامات الإسلامية، لتعيد بناء نفسها وفق معادلة جديدة, حيث شكّل بيان مكة المكرمة نواة لولادة اتحاد إسلامي سياسي واقتصادي وديني، لجمع شتات دوله التي غرقت في قضاياها الداخلية لسنوات طويلة، منذ تأسيسها في الستينات الميلادية على يد الملك فيصل - يرحمه الله -..
بيان مكة المكرمة يعيدنا إلى ذاكرة التاريخ الإسلامي الحديث لعام 1921م، عندما تمّت المفاوضات بين الإنجليز - كانت القوى المطلقة - والزعيم التركي مصطفى كمال أتاتورك على استقلال تركيا، وكانت شروط الإنجليز: أن تقطع تركيا صلتها بالعالم الإسلامي، وأن تلغي الخلافة الإسلامية، وأن تختار تركيا دستوراً مدنياً بديلاً للدستور العثماني الذي يستند على الشريعة الإسلامية. وهذا أدى إلى نهاية الخلافة العثمانية وتقطع الرابط الروحي والسياسي بين المسلمين كأُمّة واحدة لها قيادة واحدة... هذه الصورة التي تعود للربع الأول من القرن العشرين، تظهر عزم الغرب في ذلك الزمن قطع الروابط الإسلامية والخلافة الإسلامية، حينها لم تتشكّل بعد المنظمات العالمية: منظمة الأمم المتحدة، ومجلس الأمن, ودول عدم الانحياز، والاتحاد الأوروبي ومنظمة الحلف الأطلسي. لكن اليوم الصورة مختلفة والظرف الدولي مختلف والقوى المسيطرة مختلفة، والمجال مفتوح أمام منظمة التضامن الإسلامي أن تتشكّل على غرار الاتحاد الأوروبي أو الحلف الأطلسي، حتى وإنْ لم يكن عسكرياً، إنما اتحاد اقتصادي وحضاري وثقافي، يبدأ بمركز الحوار المذهبي الذي دعا إليه الملك عبد الله وتقوية الروابط الاقتصادية، لتشكّل النواة لولادة اتحاد إسلامي متطوّر عن الخلافة الإسلامية التي كانت تربط العالم الإسلامي, بدأت من دولة المدينة التي أسّسها نبي هذه الأُمّة محمد صلى الله عليه وسلم، ثم الخلافة الراشدة والأموية والعباسية والسلجوقية والمملوكية والعثمانية... وهذا الاتحاد سيكون متطوّراً طبيعياً عن الخلافة الإسلامية بدوله المستقلة سياسياً لها رابطها الديني والاقتصادي والتحالف بين دولها...
في مكة المكرمة يمكن القول إنه تم ولادة الربيع الإسلامي عبر تضامن جديد تحت غطاء اتحاد... فإذا كان الغرب له اشتراطاته لاستقلال تركيا والاعتراف بها يقوم على الانقطاع والانفصال التام عن العالم الإسلامي ووأد ودفن الخلافة الإسلامية، فهذا فيما مضى، فالغرب لا يستطيع فرض اشتراطاته في ظل وجود منظماته وتكتلاته السياسية والعسكرية ووحدته الاقتصادية... لذا يمكن القول إنّ من أكبر مكاسب قمة التعاون في مكة المكرمة، ظهور الربيع الإسلامي وولادة الاتحاد الإسلامي غير المعلن.