استبشر المسلمون خيراً عندما استضافت المملكة قمة التضامن الإسلامي الاستثنائية، لأن واقع العالم الإسلامي يحتاج إلى وقفة صادقة، وقرارات حاسمة، فالدماء والأعراض تنتهك، والأنظمة السياسية لا تؤدي ما عليها من واجبات لحماية المسلمين، وتلبية احتياجاتهم وإنقاذهم من الجهل والمرض والخوف.
كانت قمة ناجحة بكل المقاييس، والنجاح يضاف إلى نجاحات الديبلوماسية السعودية، ومن علامات النجاح أن قمة مكة بثت الطمأنينة في النفوس وسط أجواء التأزم والغموض، وأعطت للقضايا السياسية العالقة دفعة دبلوماسية جديدة بإشراك منظمة التعاون الاسلامي في مجهودات حقن الدماء البريئة، ووقف جرائم الأنظمة المارقة التي تنكل بشعوبها.
والحضور الدولي الرفيع يؤكد الدور الهام الذي تلعبه المملكة في قيادة العالم الإسلامي، ووعيها المتقدم وإدراكها لما يتوجب القيام به في ظروف صعبة وحساسة تمر بها الأمة، فالقمة ليست لقاءات مجاملة، وليست مراسم وتشريفات وضيافة، بل ملفات ثقيلة، ومشكلات معلقة، وآراء متباينة، وتختبر قمة من هذا النوع مقدرة الدول في حل أسباب الخصومة أو في تأجيل التصادم على الأقل.
ومشكلات الأمة الإسلامية أطلق شرارتها الخلاف المذهبي، ومن ثم صراع سياسي له أبعاد مذهبية وطائفية، وعندما اقترح ملكنا المظفر تأسيس مركز للحوار بين أتباع المذاهب الإسلامية، فإنه وضع أقدام الأمة على أول طريق التفاهم والتقارب، وجعلنا نتفاءل بصبح جديد تحمل شمسه ضوء الحكمة ودفء الأخوّة.
ما يؤخر تقدم هذه الأمة في المقام الأول الاختلافات المذهبية، والفشل الذريع في تقوية الترابط السياسي والاقتصادي، وفي انتشال دول إسلامية تعاني من كوارث بيئية وصحية وأمنية ومعيشية، والمشكلة بتصوري ليست جديدة بل تعود إلى1400 عام، وما زلنا نعاني من التحزب والتشيع والشتات والتناحر.
التقاء الأمة الإسلامية على أصول الدين وثوابته، وتدعيم نقاط الالتقاء، وإضعاف نقاط الخلاف، وتحويل الخلاف المذهبي إلى إختلاف لا يفسد الود ولا يعكر صفو العلاقة الإسلامية التي أراد الله أن تجمعنا وتؤلف بين قلوبنا هو المقصد الأهم، فكل مشكلة سياسية كبرى في عالمنا الإسلامي لها أساس طائفي ينتج للأسف خطاباً ينضح بالكراهية والإقصاء.
دعت المملكة للحوار والتسامح وهي في موقع قوة، والأقوياء الكبار في مقاصدهم وأهدافهم لا تشغلهم صغائر الأمور، وأثبتت قمة مكة أن الحق يعلو ولا يعلى عليه، ورغم مناكفات المخالفين للمملكة والذين يتمنون لها الشرور، علقت القمة عضوية سوريا في منظمة التعاون الإسلامي، ولهذا القرار رمزية كبيرة تعكس رفض دول العالم الإسلامي لممارسات نظام بشار الأسد، وعندما حضر الرئيس الإيراني استقبلته المملكة بحفاوة لا تختلف عن الحفاوة التي اُستقبِل بها قادة الأمة الإسلامية، وهذه رسالة مفادها أن لا عداوة طالما هناك مجال مفتوح للحوار وما ينتج عنه من اختلاف واتفاق.
وسياسة المملكة الحكيمة في التعامل مع الملفات الساخنة جعلها تكسب احترام الجميع، وهذه السياسة أحرجت دعاة الفتنة وضربتهم في مقتل، وأكدت على أن للمملكة وجها واحدا لا يتلون ولا يتغير، وأن مصلحة الأمة هي الهدف والمقصد، وتبقى بلادنا الأكثر تأثيراً والأكثر أهمية وصوتها مسموع مهما تعالت أصوات المتقلبين والمتلونين.
Towa55@hotmail.com@altowayan