|
الجزيرة - د. حسن الشقطي:
تقوم النصوص الشرعية على ضرورة إخراج زكاة الفطر في صيغتها الغذائية «الحبوب»، وتم الاعتياد على أن يكون الأرز هو الشكل الأكثر قبولاً واعتياداً بالسوق المحلي بنسبة تتجاوز الـ90% كما يقول البعض.. لذلك، فتظهر خلال الأيام الأربعة الأخيرة تقريباً من رمضان المبارك عروض كافة التجار والشركات للأرز المخصص لزكاة الفطر.. والأمر المستغرب أنه تظهر بالسوق عبوات خاصة حسب الأوزان الشرعية لزكاة الفطر سواء ذات الثلاثة كيلوجرامات أو الكبيرة.. إلا إن العبوات الصغيرة هي المسيطرة والأكثر انتشاراً. ومن المعروف أن زكاة الفطر يخرجها الفرد عنه وعن أسرته حسب عددهم، وبالتالي لو افترضنا أن كافة السعوديين سيسعون إلى إخراج زكاة الفطر، وكذلك الحال بالنسبة لنحو 25% من الأجانب المقيمين سيسعون لإخراج زكاة فطرهم، فيكون لدينا نحو 16.9 مليون فرد يتوقع أن يتجهون لإخراج زكاة فطرهم، وإذا توقعنا أن نسبة 90% من هؤلاء يتجهون لإخراجها في صورة الأرز، فمن المتوقع أن يصبح لدينا قوة طلب تعادل 15.2 مليون فرد، وتحت اعتبار أن كل فرد سيطلب 3 كيلوجرامات، فيصبح حجم الطلب/ الاستهلاك من الأرز في حدود 45.6 مليون كيلوجرام، أي ما يعادل 45.6 ألف طن أرز.. إلا إنه من المعروف أن حجم الاستهلاك الشهري من الأرز في الأوقات العادية بالمملكة يصل إلى حوالي 12 ألف طن فقط، فكيف يغطي السوق الكمية المطلوبة لإخراج زكاة الفطر، وهي تعادل أكثر من ثلاثة أضعاف الاستهلاك في الأوقات العادية؟.
400 طن من الأرز استهلاك المملكة اليومي
تستهلك المملكة يومياً حوالي 400 طن يومياً من الأرز.. وتشير التقديرات إلى أن المملكة تمتلك خزناً من الأرز يناهز 58.8 ألف طن، بما يكفي لسد احتياجاتها لفترة 5 شهور تقريباً.. وعليه، فإن التجار والشركات تتوخى الحذر لتغطية طلب زكاة الفطر باستيراد كميات إضافية لمواجهة الطلب الموسمي للزكاة، إلا إن الكميات الإضافية لا تغطي بالكاد كافة الطلب الإضافي. والأمر المستغرب أن حجم المبيعات الفعلية لكافة شركات الأرز خلال شهر رمضان لا تصل إلى التقديرات الفعلية لحجم الطلب لإخراج زكاة الفطر.. فالشاهد أن هناك عملية تدوير كبرى تتم في إخراج زكاة الفطر، فالكثيرون يرون أن المظهر خلال الأيام الأربعة الأخيرة من رمضان أن يتجه الأفراد لشراء الأرز المخصص للزكاة الفطر، وبجانب كل متجر يتواجد بعض المحتاجين الذين غالباً ما يتجه المشترون لإعطائهم العبوات المشتراه كزكاة عن أسرته، وهنا يتم التدوير، فالحاصلات «غالباً نساء أو أطفال» على هذه العبوات -على ما يبدو- تقوم من جديد بتسليمها لنفس التاجر أو غيره مع خصم نسبة معينة للحصول على قيمتها نقداً «حرق العبوة»، ويقوم التاجر بدوره بتدويرها وإعادة بيعها من جديد لخارجي زكاة آخرون.. بشكل يحقق من ورائه بعض التجار أرباحاً خيالية خلال هذه الأيام الأخيرة من رمضان، لأنه قد يبيع العبوة الواحدة أكثر من مرة، وبمعدل ربح مرتفع. أيضاً اقتصادياً، فإن إخراج زكاة الفطر بالشكل الحالي يؤدي إلى حدوث بعض الاضطراب لسوق الأرز بالمملكة، فالعبوات ذات الثلاثة كيلو جرامات تباع بأسعار أقل من السعر السوقي غالباً، رغم أنها تبدأ في الزيادة خلال اليومين الأخيرين قبل العيد مباشرة.. ويتقول البعض بأن هناك حالات في الغش لأن المشترين لا يقصدون من شرائه الاستهلاك الذاتي، وبالتالي لا يبحثون ولا يهتمون بالجودة، فقد يكون هناك أرز قليل الجودة وقد يكون من أنواع لا يمكن بيعها في الأوقات العادية خوفاً من التأثير على سمعتهم.. بالتحديد، فإن أسعار الأرز تضطرب في نهاية رمضان بشكل واضح، ويحدث نوع من التشبع السوقي، فرغم وجود طلب قوي لا يتأثر بالسعر بل يتأثر بأداء الشعيرة «زكاة الفطر»، إلا إنه يحدث نوع من التشبع في العرض لفترة بعد رمضان. ونحن نتساءل: هل هذا التدوير يعد ظاهرة مستحبة؟.. وألا يمكن استغلال زكاة الفطر لتصبح ذات منفعة اقتصادية أعلى؟.