ألمّت به الحمى الشديدة وراح يهذي... سأباشر فورا بقطع كل علاقاتي وأرقن قيدي في سجل المتون لقد ضاق وسعي على المواقع والصحف، استهلكتني بما فيه الكفاية.
عليّ أن انتقل من القصة إلى الرواية، من القصيدة إلى الملحمة، من النقد إلى البحوث، ومن الانترنت إلى الكتاب المقروء سأنتبه إلى نفسي وعائلتي، سأولي الاهتمام الأكبر بحديقة داري، لقد ذبلت ألحان الورد وعاث العشب الأصفر يعتاش على نفائس الفسائل الجميلة المنتقاة بعناية ربانية.
جال بطرفه نواحي المكتبة المثقلة بهموم المعارف وسأل نفسه: متى أقوم على قدمي معافى سأنفض عنها الغبار وأعيد تبويبها من جديد. جاء الطبيب لعيادته، وبعد ما أجرى عليه الفحوصات الأولية، أخبره بضرورة مراجعة المستشفى بأقصى سرعة، فثمة شيء غير مفهوم لا يبشر بخير، نقلوه إلى المستشفى، تناوب على معاينته طبيب مختص بالأورام الخبيثة.
أثناء خلوة مع نفسه وفيما كانت روائح المستشفى تخلق مزاجا يقربه من التوحد الكامل، كان يفكر: لقد كبرت بما يكفي، كنت متماديا ومغروا أكثر مما يجب...
لو كتب الباري لي الصحة والعافية سأباشر بردم الهوة بيني وبين ربي، سأذهب للحج وأتصدق على الفقراء والمساكين، أصلي وأصوم وأطلب الصفح من الذين تطاولت عليهم.
سألت الدموع البيضاء على وجنتيه تطلب العفو والمغفرة...عاد الطبيب وإمارة البشرى تطلب منه الحلوى:
لقد كان مجرد اشتباه سيدي المتمارض، صحتك سليمة وجسدك معافى...
انتفض من على السرير وهو يُزيح مخاوف البياض، ملتمسا من يعود به إلى البيت سريعا، ومعاودة ما تراكم خلال مرضه بنشاط غير مسبوق، مستنجدا بمخيلته الطرية، لتزاحمه في قلقها، مستخفا بطمأنينة غير مفهومة نزلت عليه دون سابق عنوان.
هتف مستأسدا إثر قشعريرة دفعت بها فايروسات ما برحت تصول وتجول في دمه، ولم تترك له هنيئة التقاط الأنفاس:
لا بد أن بريدي الإلكتروني قد تعبأ، ما يستدعيني إلى مجاراة العودة المباركة... وبقوة يجب أن أرد على رسائل الأصدقاء بأقصى ما يستوجب من اللقاح اللذيذ... المتراكم.