منح الله العدّاء الجامايكي الأسطوري أوسين بولت قدمين اثنتين فقط مثلما منح كثيراً من البشر، ولكنهما قدمان تدرّان ذهباً وليست مثل أقدام عدّائينا الكسيحة والتي لم تمنحنا ولا ميدالية من حديد. غادرونا للأولمبياد وكأنهم ذاهبون للسياحة وعادوا “يد قدام ويد وراء”، أعود لبولت الذي خطف الأنظار وسجّل اسمه في أسفار الأولمبياد كأول رياضي في التاريخ يجمع بين لقبيْ سباقيْ السرعة 100، 200 م للمرة الثانية على التوالي، وبولت الأسمر ينظر إليه في جاميكا كرمز وبطل قومي رفع علم بلاده وشرّفها في أكثر من محفل عالمي. لم يحصل على هذه المكانة من فراغ، فقد قدّم لبلاده ثنائية 100، 200م في بكين 2008 ولندن 2012، إضافة لذهبية التتابع 100×4، ولا يعتقد البعض أنّ بولت قد قفز فجأة إلى الواجهة وصعد منصة التتويج بضربة حظ، فسجلُّه في ألعاب القوى العالمية زاخر بالإنجازات، وحصد الذهب منذ أن كان عمره 15عاماً وحتى بلغ اليوم 25 عاماً وأعدّ ودرّب من مرحلة الطفولة مع عدد كبير من زملائه وزميلاته في جامايكا، وهذه الدولة الصغيرة محدودة الموارد والواقعة في أمريكا الشمالية لمن لا يعرفها، دولة مكوّنة من سلسلة من الجزر الصغيرة تبلغ مساحتها 11.000كم2 أي 0.05% من مساحة المملكة العربية السعودية المقدّرة بمليونين من الكيلو مترات المربّعة، ويسكنها 2.8 مليون نسمة فقط أي حوالي 10% من سكان المملكة، ويُطلق عليها أرض الخشب والماء، أو أرض الينابيع وتسمّى رياضياً جزيرة السرعة، فالعداءون الجامايكيون من الجنسين وبقيادة بولت الذهبي صعدوا ببلادهم للتربُّع على عرش سباقات السبرينت خلال الأربع سنوات الماضية، بعد أن سحبوا البساط من الولايات المتحدة الأمريكية بفضل عدائها التاريخي بولت والشابين القادمين بقوة يوهان ودارن، وأحرزت هذه الدولة الصغيرة خمسين ميدالية طوال مشاركاتها في الألعاب الأولمبية منها 49 ميدالية في ألعاب القوى، ولك أن تقارن هذه الحصيلة بما حققته الدول العربية مجتمعة، وهي دول تفوق جاميكا في مساحتها وعدد سكانها وثرواتها. جاميكا تقدم اليوم دروساً تستحق القراءة وتنسف كل التصوُّرات الخاطئة والمزاعم التي ترى أنّ المال يكفي وحده لصنع الإنجازات! الفكر العالي والتخطيط والعمل الجاد والمثابرة والكشف عن المواهب والصبر عليهم وإعدادهم من الصغر ورعايتهم وحفزهم هي من قادت هذه الدولة الصغيرة لتثبيت اسمها في السجلات الذهبية، والسؤال كيف نستفيونحن نتخبّط من سنوات طويلة من التجربة الجامايكية في صناعة النجوم؟ سنوات من التخبُّط لم تجلب إلاّ المزيد من الضياع، فبعد هادي صوعان في أولمبياد سدني عام 2000 وفوزه بفضية 400م لم نشهد إنجازات لها قيمة! 159 نادياً ومئات اللاعبين في كافة الألعاب وميزانيات ضخمة لا تُقارن بما تنفقه دول كثيرة، وبعثات رياضية تحضر كل مناسبة وتصرف عليها الدولة الملايين، وتأتي النتائج دائماً مخيّبة للآمال، لم نستطع من سنوات أن نصنع بميزانياتنا الضخمة نجماً واحداً من بين آلاف اللاعبين بحجم بولت أو قريباً منه! إذن اكشفوا السر وراء بولت ورفاقه فلعلّنا نمسك بطرف الخيط الذي يوصلنا للذهب، فالرياضة جزء هام من حضارات الشعوب.
Shlash2010@hotmail.comتويتر @abdulrahman_15