المجاملة سلوك إنساني جميل، ومطلب حياتي رائج ومنتشر بيننا. وهي أيضاً - أي المجاملة - سلوك حياة للتواصل وبناء العلاقات الحميمية بين الناس، مهما كانت درجة ثقافتهم واقترابهم منها، يقول الرسول الأكرم- صلى الله عليه وآله وسلم-: (الدين المعاملة)، ويقال: ومن الدين المجاملة، ويُفهم من هذا أن طبيعة التعامل مع الآخر ُتشكل جزءاً كبيراً من جوهر الدين وبناء قاعدته.. ومن هنا يتحتم على الإنسان المجاملة حسب ما تقتضيه الحال ويتطلبه الظرف، ولكن هنالك مواقف المجاملة فيها خط أحمر، لكون ذلك يقتل التواصل وبناء العلاقة ويكون هشاً لا يقوى على تحمل أي عاصفة مهما كانت ضعيفة.
أحياناً تكون المجاملة مطلبا مهما في مواقف معينة، وقد تكون وتصل المجاملة في أحايين أخرى إلى عدم المصداقية ولدرجة النفاق.!
أهداني صديق عزيز رواية لأحد أصدقائه، وهذه هي المرة الأولى التي يهديني فيها كتاباً إبداعياً، وطلب مني أن أعطيه رأيي عنه بعد أن أطلع عليها وأقرأها، ولو كان شفهياً وافقته رغبته.. قرأت الرواية بعناية شديدة وتذوق واستمتاع، وبعد فترة ليست طويلة التقيت بالصديق وسألني عن انطباعي عن الرواية التي أهداني إياها فقلت له: إنها وحسب تذوقي، فيها إبداع وتكنيك جاذب، وفيها صور وأحداث ذات عمق وتنم عن تمرس لكاتبها، ولكنني أعتقد أنها تقترب من السيرة الذاتية، رغم ما بها من تكنيك روائي جميل، وبعد أن أستمع لانطباعي.. فجأة حدث تغير في سلوك الصديق وصدرت منه في نفس اللحظة ردة فعل سلبية، مما زاد من استغرابي، وقد ترتب على ذلك توتر في علاقتي به من جانب واحد..!! لم..؟ لأنني لم أجامله في رواية صديقه المقرب منه بالرغم أنني أشدتُ بها، ولكن وسمي بأنها سيرة ذاتية أزعجه، بل أزعجه كثيراً، حيث إن الرواية (السيرة) بها ما يخدش الذوق العام حسب تصوره.!
الأعمال الإبداعية مهما كان جنسها لابد أن تكون خاضعة للنقد من الآخر وإبداء الرأي حولها، وهذا أمر طبيعي ويخدم العمل ويعطيه ويخرجه من قوقعته ويظهره للآخرين مهماكانت نوعية هذا النقد سلباً أو إيجاباً.. فالعمل الإبداعي أو غيره حينما يخرج من صاحبه ويتداوله الناس يحق لهم أن يتناولوه من أي جانب، وليس لصاحبه (الحق) أن يحجم رأي الآخرين عنه سواء كان هذا الرأي بالسلب أو الإيجاب.. ليس حقاً أن نمجد عملاً ونظهره عالياً مهما كان مستواه مجاملةً أو تقرباً لصاحبه. المجاملة يجب أن تبتعد عن الأعمال الإبداعية، لأن ذلك يخدم الإبداع ويطور من مستواه ويزيده متانة وعمقاً..
ولعل في ظني أن الموقف الذي تعرضت له حالة فردية لا للأسف، علماً أن هنالك آراء كثيرة تتشابه وانطباعي نحو هذه السيرة خاصة من قرأها، وكان على معرفة شخصية بالكاتب..!