الومضات التي سأقدمها ليست مواقف وملاحظات طارئة، وهي لم تحدث في مكان أو زمان محدد، بل هي من سجلات الذاكرة لا القديمة ولا الحديثة، صور ومواقف واقعية لم يلعب الخيال دوراً في نسجها، كنت (أو مع من يرافقني) في قلب هذا الحدث أو ذاك، أو من الجمهور المتفرج الذي يلتقط الصورة فيستفيد منها إيجابا، فبعض المواقف نتعلم منها بدرجة تفوق قراءة كتاب أو سماع محاضرة، المهم أن نعي الحدث ونستخلص منه الدرس، أما أن يمر علينا ونصوره لنتحدث به في مجالسنا وعند انصرافنا نرتكب مثله أو أكبر ففي هذا تعطيل للمدارك التي جعلت لاستحضار العواقب والنتائج والعمل على تدارك واجتناب كل السلبيات ما أمكن.
سئل أحد السلف: كيف بلغت هذا المبلغ من الحكمة والتبصّر؟ قال: من أخطاء الآخرين!!
- يتحدث في برنامجه ومحاضراته عن التواضع وخلق الرسول الأعظم وصحابته الكرام ومبادئ الإسلام في هذا الاتجاه، لكنه يوقف سيارته أمام محل التسوق، وينادي العامل ليحضر له طلباته، سأله أحدهم: ما بك يا دكتور لا تنزل من السيارة، هل نساعدك؟ قال: لا شيء لكني لا أحب أن أختلط بالرعاع!
- يتحدث في مجالسه وعند طلابه ومعارفه عن السواسية، وأن المسلم أخو المسلم ولا فضل لأحد على الآخر إلا بالتقوى (أكرمكم عند الله اتقاكم)، وحينما سألوه عن عدم حضوره حفل عرس ابن زميله الليلة البارحة؟ قال: طرش بحر!
- مليونير خاطبه صديقه (غير المليونير) يذكّره أن قريبه الشاب يريد أن يتزوج وأن حالته المادية وأوضاع أسرته تدعو للاهتمام، ويحثّه على مساعدته، فرد عليه: إذا كنت سأساعد كل قريب فلن أكون مليونيراَ، وقد نسي موازين الآخرة.
- معلم ممارس يدرس مواد يفترض أنها من سبل التأديب الذاتي والتوعية والثقافة الإسلامية، ينادي تلميذاً أسمر اللون في الصف وأمام زملائه بكلمات تحطم نفسه كل حصة مما كرهه بالمادة وبالمدرسة، ولم ينتصر له سوى طالب أخبر والده الذي توجه للمدرسة دون علم والد الطفل وبلّغ عن المعلم وبيّن للإدارة مدى الخطأ والتجاوز.
- معلم آخر يعمل بمدرسة في منطقة غير منطقته الأصلية ويتعرض بالسب والشتم بين حين وآخر وعلى مسمع من الطلاب لأهالي منطقة ثالثة وسط المملكة، وأخبر أحد الطلاب المنتمين للمنطقة والده ضمن حديث عابر، وحضر الأب دون علم ابنه لإدارة المدرسة وأوضح المخالفة التربوية، وفي الأخير اتضح أن المعلم على خلاف مع شخص جعله يكره كل أبناء تلك المنطقة، (معلم ومربي وهذا قياسه).
- رجل مسن شاهد طفلي في محل البقالة يأخذ حلوى ذات أصباغ وألوان، فبدأ يلاطفه وينصحه بأن يبدلها بشي أكثر فائدة، وحينما لاحظ أنني أرمق علبتي سجائر بيده اشتراهما للتو من المحل، انصرف ولم يكمل نصيحته.
- رجل أمن بزيه الرسمي في زحمة طريق خريص بالرياض وقت الذروة عند انصراف الموظفين من أعمالهم يربك السير ويزعج الآخرين، وحينما شاهد من يعترض عليه، عبّر بإشارات بيده بعدم المبالاة باعتراضهم (ليس هذا النموذج ولا القدوة).
t@alialkhuzaim