أثار مسلسل عمر مواجهات كثيرة بين مؤيدين ومعارضين ومنتقدين له على اعتبار أنه عمل فني، وتفاوت حجم المواجهة بين الفرق، من حوار معتدل إلى نقد لاذع، ومن تحليل جزئي إلى تحريم كلي، وليس هذا بغريب، فقد اعتدنا مثل هذه المواجهات عند الإقدام على أعمال تخالف المألوف، وعادة ما يكون سقف الرضا منخفضاً في الأمور الجدلية بين الأطراف المتنازعة.
إن حديثي عن مسلسل عمر هنا لا يدخل ضمن أي موقف من المواقف التي سبقت أو واكبت عرضه، فلست في مقام من يقدم حكماً شرعياً، كما أنني لا أفهم في الإخراج والأمور الفنية، لكنني أرى أنه يقدم قيمة معنوية عالية عن فترة من تاريخنا تشعرنا بالزهو والفخر، ويقدم مادة تاريخية نحتاج إليها ويحتاج إليها الجيل الصغير لنعرف من نحن وكيف أصبحنا، ولذلك، فإن حديثي يتركز على المسلسل نفسه كعمل تاريخي يتعلق بشخصية فذة لها دور مميز ليس في تاريخ الإسلام وحده، ولكن في التاريخ الإنساني، ثم أن هذه الشخصية عرفت بصلابتها وتأثيرها منذ أن كان صاحبها يعيش عصر الجاهلية إلى تحوله إلى الإسلام (وهو ما لم يظهر في المسلسل بالقوة والحجم نفسه) وبروزه واحداً من ألمع صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومؤسساً وهو خليفة لكثير من النظم وقائداً يوجه المجاهدين في سبيل الله وفي سبيل نشر الإسلام على كل أرض وصلوا إليها، ويصعب المضي في تعداد ما اتصف به أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ويكفي أن أشير إلى أنه حظي بكتابات كثيرة من عرب وآخرين أشادوا بقيمته ومنزلته.
في المسلسل، لم أجد شخصية عمر بن الخطاب رضي الله عنه، بل وجدت شخصية دمجت في شخوص أخرى بل تفوق على وجودها آخرون، وعامت الشخصية في أحداث تتعلق بالسيرة النبوية الشريفة، وبرزت شخصيات أخرى على حسابها، حتى أنني ونحن في أواخر رمضان لم أجد عمر بن الخطاب الحكيم المحنك، القائد، الصارم، ذي الرأي السديد، والخليفة، القائد، المجاهد الذي انتشر الإسلام في عهده إلى أصقاع كثيرة.
الخلاصة:
إن المسلسل رغم جودة فكرته وأنه قد يرسخ قيماً عند الأطفال والشباب خاصة، لم يكن عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ولكن عن أحداث شتَّى متفرقة ومتباعدة اختزلت جميعها في هذا المسلسل.