- الحمد لله على آلائه, والشكر له على نعمائه, وفَّق وهدى, وسدد وأعطى, فله الحمد حتى يرضى, والصلاة والسلام على النبي المصطفى, والرسول المجتبى, نبينا محمد وعلى آله وأصحابه الأوفياء, وعلى من سار على دربهم واقتفى, وبعد:
فإن من توفيق الله وتسديده لمليكنا المفدى, وإمامنا المبارك, خادم الحرمين الشريفين في شهر الخير والبركة والاجتماع والوحدة ما تحمله من مسؤولية جسيمة هو أهل لها, حينما وجه دعوته الكريمة لقادة العالم الإسلامي لاجتماع استثنائي, وقمة مهمة يجتمع فيها قادة العالم الإسلامي في وقت غاية في الحساسية يمر بالعالم الإسلامي والعربي على وجه الخصوص, بلغت فيه الفتن والمهددات ذروتها, وصارت المنطقة العربية على طرف الزناد, مهددة بالطائفية والتشظي, والحروب والفساد والدمار في وضع مأساوي لا نشكوه إلا إلى من بيده جمع القلوب, وتأليف الأفئدة, وفي ظل تحركات ومتغيرات تمر بالمنطقة لا يمكن التعامل معها إلا بعمل استثنائي يحرك مكامن الوجدان, ويعتمد زمام المسؤولية الكبرى, ويتجه إلى صناع القرار ومن جعل الله قدرهم ومسؤوليتهم أن يتحملوا أمانة هذه الدول ومسؤوليتها في هذه الحقبة. وفي خضم هذه الأجواء القاتمة التي أورثت لدى بعض المسلمين الحيرة واليأس ينطلق صوت الحكمة والعقل والإنسانية من قائد فذّ, وإمام عادل, ووالٍ رشيد, شرفه الله بولاية مملكة عالية, ودولة عظيمة شرفها الله بأن جعلها حاميةً لبقعة مقدسة, وأرض مباركة, هي قلب العالم الإسلامي النابض, ووجهة القادة من كل حدب وصوب. وينطلق هذا الصوت ليستنهض الهمم, ويستثير المسؤوليات, ويخاطب العقول والأفئدة. ينطلق إمامنا ومليكنا في دعوته من نصوص الكتاب والسنة وفهم سلف الأمة, وتأكيد ثوابت هذه الدولة المباركة, وسياستها تجاه قضايا المسلمين وعلاقتهم مع إخوانهم المسلمين في كل أصقاع الأرض, وتعاملهم وتعايشهم مع الأمم الأخرى؛ لأن هذه المملكة الغالية, والوطن الحبيب منذ توحيده على يد الإمام المؤسس موحد هذه الجزيرة, الملك: عبدالعزيز بن عبدالرحمن -طيب الله ثراه, وجعل الجنة مأواه-, وهي تتحمل مسؤوليتها تجاه العالم الإسلامي خصوصًا والعالم أجمع, وترى أن قدرها ومكانتها تفرض عليها أن تحتضن دعوات التضامن والاجتماع والوحدة, وتتبنى دعوة السلم والسلام, وتتفاعل مع العالم برؤية متوازنة تعتمد قاعدة الأولويات, وتنتهج مبادئ وقواعد العلاقات الدولية في عدم التدخل في الشؤون الداخلية لأي دولة, اعتمادًا على مبدأ سياسة الدول, ولكنها تتفاعل لما يحل بأي دولة, بل مجموعة من الدول. فالرابط الذي يربط المسلمين فوق كل أرض وتحت كل سماء يجعل هذه المسؤولية عظيمة على بلاد الحرمين, تنطلق في تحملها وأدائها من خلاالتأثير على قادة العالم, بما للمملكة من مكانة دولية وإقليمية, ولما لقادتها الميامين من ثقل في هذه المنظومة. وتعد المملكة العربية السعودية هذا الشأن جزءًا من مسؤولياتها الجسام, وأولوية قصوى تؤدي به واجبًا تجاه هذا الدين العظيم, وتجاه هذه البقاع المقدسة. ولذا توالى أبناء الملك المؤسس على هذه الأعمال الجليلة, والمشاركات المؤثرة حتى هذا العهد الذهبي, الذي منَّ الله علينا فيه بخادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز -أيده الله وأعزّ به دينه-, وهيأه لهذه المواقف المؤثرة والإسهامات النوعية في قضايا الإسلام والمسلمين فوق كل أرض وتحت كل سماء, وجعله مفتاحًا لأبواب الخير, وصور من البذل والعطاء النوعي الذي يتمم فيه مسيرة الأسلاف, ويؤدي فيه هذا الواجب, ويحقق الله على يديه ما يصنع به التأريخ المعاصر بإذن الله.
إن هذا الموقف الشجاع, والدعوة المباركة في الشهر المبارك تعكس شخصية فذّة تمتلك حسًّا إنسانيًا رفيعًا, وحكمةً بلغت غايتها, وعقلاً راجحًا يتعالى على كل المؤثرات, وروحًا إسلامية عالية, وهمًا تجاه أمة الإسلام، بل تجاه أمم الأرض جميعًا. إنه -أيده الله- من خلال هذه المبادرات الإسلامية يشير إلى حقيقة أصيلة في سياسة هذه الدول الإسلامية وفي تعامله -أيده الله- معها, فهو يعيش مآسي المسلمين وقضاياهم, ويشعر تجاهها بمشاعر المسلم أولاً ثم بمشاعر القائد الذي مكنه الله من التأثير في قادة العالم لينطلق من هذا الوسط إلى أفق بعيد تتعلق به آمال الشعوب الإنسانية لتتجنب الصراعات والعنف والدموية، وتتجاوز المشكلات الداخلية والخارجية, وتحبط كيد أعداء الإسلام والمسلمين, وتتم به مقاصد الإسلام في هذه الأمة العظيمة التي هي: خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ .
إننا ونحن نترقب هذا الحدث المهم في بلد الأمن والأمان, ومهوى الأفئدة لنستشرف مستقبلاً واعدًا مليئًا بالتفاؤل, ونرى في هذه الدعوة أبعادًا مهمة تعين على نجاح هذا اللقاء الكبير, أهمها:
- مكانة هذه البلاد المباركة, وما حباها الله به، وما خصها به من خصائص وسمات, فقد اختارها الله واصطفاها لتكون قبلة المسلمين, ومتطلع آمالهم, ومهوى أفئدتهم, وعرصات مناسكهم, ومنبر توحيدهم لله جل وعلا, وهذا الاصطفاء والاختيار قدري شرعي، و اللّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ ، فهي بهذا الاصطفاء بمثابة القلب للعالم، كيف لا وهي أصل الإسلام ومأرز الإيمان ومهوى الأفئدة، ومهبط الوحي، وبلد أعظم المقدسات، ففيها بيت الله، وقبلة المسلمين، وهي موطن رسول الله صلى الله عليه وسلم ومهاجره، فيها انطلق الوحي, وبدأت الدعوة المباركة دعوة خاتم الأنبياء والمرسلين, وإمام المتقين, وسيد الأولين والآخرين, من أرسله الله رحمة للعالمين, وحجة على الخلائق أجمعين, منة عظيمة, ومزايا جليلة, لا يمكن حصرها, بما يجعل المسلمين جميعًا يتجهون إليها، بل والعالم يتجه إلى حكمة قادتها وحنكتهم ورؤيتهم وسياستهم وتأثيرهم، وما تلك النداءات التي تتكرر من بلدان اكتوت بالصراعات والفتن إلا شاهد على هذه المكانة، فالجميع يترقب ما يتمخض عن هذا اللقاء من قرارات يكون لها أثرها العميق في تحقيق التضامن الإسلامي.
أما البعد الثاني: فهو ما وهب الله مليكنا وإمامنا المفدى -أيده الله-, وما حباه الله به من خصال, وما جبله عليه من خلال. فدعوته إلى هذه القمة تعكس شخصية فذّة تمتلك حسًّا إنسانيًا رفيعًا, وحكمةً بلغت غايتها, وعقلاً راجحًا يتعالى على كل المؤثرات, وروحًا إسلامية عالية, وهمًا تجاه أمة الإسلام، بأنه مهما تضخمت المؤثرات التي تبرز مظاهر التفرق, وصور التقاطع والتدابر فإن في حكمة العقلاء وحنكة النبلاء, وتمسك القادة بدينهم وعقيدتهم ما يوجب تجاوز هذه العقبات. فهذه الدعوة الملكية تعد رؤية متوازنة, ونظرة ثاقبة من قيادة بلد السلام إلى العالم أجمع, أنه مهما توسعت الهوة, وقوي الخلاف والاختلاف, وساد منطق القوة, فإن في مبادئ هذا الدين العظيم وقواعده ومقاصده وأحكامه ما يمكن من التغلب على الصعوبات والمشاق, ويجمع القلوب المتنافرة, وفهم هذه الأحكام والقواعد يؤدي إلى تكوين رؤية سليمة لتعقيدات الواقع, بعيدًا عن الطائفية والمذهبية الضيقة التي اختزلت الإسلام في فهم أوحادي, وأقصت كل الاجتهادات.
والبعد الثالث: هو الموقف الشرعي الداعي إلى الوحدة والاجتماع والألفة, وهذا مقصد رئيس من مقاصد الشريعة, يلمحه المتأمل من نصوص كثيرة في كتاب الله عز وجل, وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم, ففي كتاب الله جل وعلا قوله سبحانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُون، وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُون , والمقصود بحبل الله عز وجل هنا قيل: كتاب الله والقرآن, وقيل: الجماعة, وروي هذا المعنى عن أنس بن مالك وابن مسعود, حيث قال رضي الله عنه: «عليكم جميعًا بالجماعة والطاعة, فإنها حبل الله الذي أمر به», والمقصود هو الاجتماع وما ورد من معانٍ أخرى فإن المراد بها ما يكون أصلاً وسببًا له.
قال شيخ الإسلام بن تيمية رحمه الله: «وقد فسر حبله: بكتابه, وبدينه, وبالإسلام, وبالإخلاص, وبأمره, وبعهده, وبطاعته, وبالجماعة, وهذه كلها منقولة عن الصحابة والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين, وكلها صحيحة, فإن القرآن يأمر بدين الإسلام, وذلك هو عهده وأمره وطاعته, والاعتصام به جميعًا إنما يكون في الجماعة, ودين الإسلام حقيقته الإخلاص لله».
وقوله سبحانه: شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلاَ تَتَفَرَّقُوا فِيهِ , وقوله سبحانه: وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيرًا , وفي سنة الرسول صلى الله عليه وسلم كثير مما يدل على ذلك, ففي حديث زيد بن ثابت رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «نَضَّرَ اللَّهُ عَبْدًا سَمِعَ مَقَالَتِي فَحَفِظَها وَوَعَاهَا وَبَلَّغَهَا مَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا, فَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ لا فِقْهَ لَهُ, وَرُبُّ حَامِلِ فِقْهٍ إِلَى مَنْ هُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ، ثَلاثٌ لا يَغِلُّ عَلَيْهِنَّ قَلْبُ مُؤْمِنٍ: إِخْلاصُ الْعَمَلِ لِلَّهِ, وَالنَّصِيحَةُ لأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ، وَلُزُومُ جَمَاعَتِهِمْ، فَإِنَّ دَعْوَتَهُمْ تُحِيطُ مَنْ وَرَاءَهُمْ».
وغيرها من الأدلة الكثيرة المتكاثرة على أهمية الاجتماع والوحدة. فإمامنا وولي أمرنا خادم الحرمين الشريفين بهذه الدعوة يعيد الأمة إلى هذه الأصول التي تمثل حبل النجاة, ومرتكز العلاج للمشكلات, ولا أعظم من عمل صالح يحقق الاجتماع والوحدة, ويتلمس العلاج لمشكلات الأمة التي تسبب فرقتها, ونسأل الله أن يحقق ذلك في هذه القمة الاستثنائية.
ومن أبرز أبعاد هذه الدعوة أنها محل الرضا والقبول من جميع الأطراف, لأنها كما مرّ تنطلق من قواعد وأصول مثالية للتطبيق, تحفظ الحقوق, وتبني الحضارات, وتؤسس لعلاقات متوازنة يسودها الأمن والأمان والسلام والاطمئنان, من خلال الحوار والإفادة من النماذج الحديثة التي لها أثر في بلورة مفاهيم العلاقات وصياغة معالمها, وهذا ما دأبت عليه المملكة في المحافل الدولية, ودعت إليه وسعت, وما مبادرات خادم الحرمين الشريفين في الحوار على الأصعدة الداخلية والدولية كافة إلا جزء من هذه المنظومة التي تصدر من قائد الحكمة والحنكة. فالحوار كوسيلة مثلى شأن عظيم, يقرب المسافات, ويختصر الطرق, ويفعل في النفوس ما لا تفعله الوسائل التقليدية, لأنه يعتمد أسلوب الإقناع العقلي, وإثارة الدافع للقبول. والحاجة في ظل الظروف الآنفة ماسةٌ لمثل هذا الأسلوب الذي دعا إليه خادم الحرمين الشريفين في العلاقة مع الآخر.
إن دعوة التضامن وقمة الإخاء التي نترقبها تؤكد أن سياسة هذه البلاد المباركة, ودور قادتها الحكماء ليست مزايدات كلامية, ولا مفاخرات بل خطوات عملية, صدَّق فيها مليكنا -حفظه الله- القول بالعمل, والمبادرة بالجهد والمثابرة, لتثمر هذه القمة وأمثالها.
أما البعد الذي لا يمكن تجاوزه, فهو الاختيار المسدد للزمان والمكان والبقعة, فالزمان في عشر فاضلة مباركة, كان الأسوة القدوة صلوات ربي وسلامه عليه يخصها بمزيد من الجد والعمل والاجتهاد, ولها من الفضائل والخصائص ما لا يخفى, ولعل اختيار ليلة من آكد ليالي العشر وأرجاها لموافقة ليلة القدر له بعدٌ عميق, ودلالة مهمة, فهي ليلة ذات قدر, ويقدر الله فيها ما يكون في العام من خصب ورخاء, ونوازل وأقدار, وتغيرات وأحوال، ولعل موافقة مباركة يكتب فيها ما يكون سببًا في وحدة الصف وجمع الكلمة, وإزالة أسباب الفرقة والنزاع, ورفع الظلم عن المظلومين والمضطهدين, وصلاح الأحول بإذن الله.
والمكان في أم القرى, أحب البقاع إلى الله وإلى رسوله صلى الله عليه وسلم, وأشرف الأماكن وأقدسها, توعد الله من أراده بسوء أو إلحاد أن يذيقه عذابه, فقال: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاء الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيم . فاختيار خادم الحرمين الشريفين هذه البقعة وحول الكعبة تحديدًا له دلالته التي تنعكس على القادة, ويكون لها أثرها العميق في استشعار عظم المسؤولية, وضرورة الحل. فمع هذه الأجواء الإيمانية, والساعات العظيمة, والرؤية الحكيمة الأمل بعد الله كبير في قادة العالم الإسلامي أن يخرجوا بموقف موحد, يذكره التأريخ, ويحقق الآمال بإذن الله.
إن هذه الأبعاد هي ما يميز هذه الدعوة المباركة التي تأتي ضمن منظومة الجهود الموفقة, والأعمال الجليلة لبلد الخير ومملكة الإنسانية والبذل. وما من شك أن هذا السجل المشرف للمملكة العربية السعودية هو ما يجعل المستقبل الواعد نستشرفه بأمل كبير, وتفاؤل عظيم, بأن يحقق الله الآمال, فهي جهود مباركة نفع الله بها في الحقب الماضية, وستظل بإذن الله. ولذا أملنا بالله كبير أن نرى في الواقع القريب تحولاً مهمًا يتجاوز كثيرًا من المشكلات التي تعاني منها المنطقة الإسلامية والعربية, خصوصًا ما يجري في أرض سوريا الجريحة, التي ما أن نتذكرها إلا ونستشعر مرارة ألم الظلم, وعظم جور الطائفية البغيضة, وقسوة واقع الفرقة والاختلاف. ولا ننسَ فلسطين النازفة, قضية المسلمين الكبرى, وغيرها من القضايا.
ويعظم الأمل حينما ننظر إلى هذا المؤتمر الكبير من خلال الأبعاد السابقة, ونستحضر السجل الحافل لهذه المملكة المعطاء, التي حولت من خلاله مفهوم التضامن الإسلامي إلى واقع ملموس, ليس فقط من خلال هذه الأدوات التي لها أثرها في بلورة مواقف موحدة تجاه القضايا مع تعقيدات التحولات والتغيرات التي يمر بها عالم اليوم, بل حتى في منظومة الإسهامات النوعية التي لم تقتصر على أوقات الأزمات والنوازل والكوارث, بل شملت دعم العمل الإسلامي, والمؤسسات الإسلامية, وأعظم دعم ما سيشاهده القادة في بلد الله الحرام من توسعة كبرى, وأعمال جليلة, ومنجزات عظيمة, وتسهيلات لقاصدي هذه البقاع المقدسة, حولتها إلى منطقة عالمية نموذجية, وأصبحت مضرب المثل في الجمال والجلال.
وإن حقًا على كل مسلم, وكل مواطن ومقيم, وهو يرى هذا الجهد العظيم, والعمل الصالح المبارك في شهر الرحمة والمغفرة والعتق من النار أن يلهج إلى الله بالدعاء لخادم الحرمين الشريفين ولجميع القادة الذين سيحلون ضيوفًا عليه, بأن يوفق الله مسعاهم, ويسدد أقوالهم وأفعالهم وآراءهم, ويجعلهم رحمة على رعاياهم. فوصيتي لكل مسلم أن لا يغفل هذا الباب العظيم, وأن يستشعر الضرورة الملحة التي تمر بأمتنا الإسلامية, فهذه الجهود بذلت, ولكن يبقى عون الله وتأييده وتسديده, وقادتنا بأمس الحاجة إلى أيدٍ متوضئةٍ مؤمنةٍ ترتفع بالدعاء في هذه الليالي المباركة.
وبعد: فإن دعوة التضامن التي دعا إليها خادم الحرمين الشريفين نظرًا لما يؤمل منها, وما ينتظر هي من أعظم الإنجازات التي نحتسب على الله أن يكون مليكنا يدخل بسببها فيمن أخبر عنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنهم خير الناس لأنهم يسعون فيما يدوم نفعه للناس, ويتحقق بها الخيرية لهذه الأمة, ونسأل الله عز وجل أن يحقق الآمال والطموحات, ويكتب النجاحات المتوالية لهذه الجهود المباركة, ويجعلها سببًا لوحدة الصف, وجمع الكلمة, ولمِّ الشمل, وزوال آثار الظلم.
وإننا نحمد الله أن منَّ على إمامنا ومليكنا, واختصه بهذه النعم, وسدده بهذه المواقف السديدة, ووفقه لهذه الإنجازات العالمية, والمساهمات الفاعلة المؤثرة. ثم يشرفنا أن نرفع لمليكنا المفدى, وولي أمرنا خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز التهنئة الخالصة بهذا العمل الجليل الذي نشعر أنه تاج فخار, والشكر لله جل وعلا على توفيقه, والدعوات الصادقة, أن يتم الله سبحانه عليه نعمه, ويسبغ عليه فضله, ويكلأه برعايته, ويجعل هذا التقدير والاستجابة من عاجل بشراه في الدنيا, ويدخر له أجزل المثوبة, وأعظم الأجر في الآخرة, والله المسؤول أن يحفظ علينا ديننا وأمننا, وقيادتنا, وأن يجعل أعمالهم زادًا لهم إلى رضوان الله وجنته, إنه سميع مجيب.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
مدير جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية