المجلس الخامس:
تبييت النية في الصيام:
إن النية أصل في جميع العبادات فلا يقبل العبد إلا بنية لقوله - صلى الله عليه وسلم - في حديث عمر - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى..) متفق عليه.
ويجب على الصائم في شهر رمضان أن يبيت النية وذلك لما ثبت من حديث حفصة - رضي الله عنها - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (من لم يبيت الصيام قبل الفجر فلا صيام له). وقد يوسوس بعض الناس في مسألة تبيت النية فتجده عند أكلة السحر يقول: (اللهم إني نويت أن أصوم لك هذا اليوم فتقبله مني إنك أنت السميع العليم، ويفعل ذلك مراراً، وهذا لا ينبغي فعله ولا قوله، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (والنية محلها القلب باتفاق العلماء فإن نوى العبد ولم يتكلم بلسانه أجزأته النية باتفاقهم وقد تنازع الناس، هل يستحب التلفظ بالنية؟ فقالت طائفة من أصحاب أبي حنيفة والشافعي وأحمد: يستحب ليكون أبلغ، وقالت طائفة من أصحاب مالك وأحمد: لا يستحب ذلك بل التلفظ بها بدعه فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه والتابعين لم ينقل عن واحد منهم أنه تكلم بلفظ النية..) إ.هـ. ويكفي في ذلك أن ينوي الإنسان الصائم أول يوم في رمضان صيام هذا الشهر كله، فإنه يجزئه ومن طريف ما يذكر في الوسوسة في النية ما ذكره ابن الجوزي - رحمه الله - عن أبي الوفاء ابن عقيل: أن رجلا كان يريد الصلاة فقال له: إنني اغتسل في الماء مراراً ثم أخرج وأرى أنني لم أتطهر؟! فقال له ابن عقيل: اذهب فقد سقطت عنك الصلاة لقوله - صلى الله عليه وسلم - كما في حديث علي - رضي الله عنه - : (رفع القلم عن ثلاثة.. ومنهم المجنون حتى يفيق)، ومما يقيد في النية ضعف حديث (نية المؤمن خير من عمله)، لأن في سنده رجل مجهول، قال شيخنا أبو عبد الله:
ونية المؤمن خير من عمل عن حاتم وذاك راو قد جهل
المجلس السادس:
في تعجيل الإفطار:
يستحب للصائم تعجيل الفطر لحديث سهل بن سعد - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر) متفق عليه. قال ابن دقيق العيد رحمه الله: في هذا الحديث رد الشيعة في تأخيرهم الفطر إلى ظهور النجوم، ولعل هذا هو السبب في وجود الخير بتعجيل الفطر لأن الذي يؤخره يدخل في فعل خلاف السنة، وعند الترمذي من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال، قال الله - عز وجل - : (أحب عبادي إلي أعجلهم فطراً).
ووقته: إذا تحقق من غروب الشمس برؤية أو بإخبار كما في حديث عمر - رضي الله عنه - المتفق عليه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (إذا أقبل الليل من هاهنا، وأدبر النهار من ها هنا وغربت الشمس، فقد أفطر الصائم). ويستحب للصائم أولاً أن يفطر على رطب فإن لم يجد تمر فإن لم يجد فعلى الماء فإن لم يجد فعلى ما تيسر لما ثبت عن أنس - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : (أنه كان يفطر على رطبات، فإن لم يجد فعلى تمرات، فإن لم يجد حسا حسوات من ماء).
ثانياً: أن يدعو عند فطره بما شاء لقوله - صلى الله عليه وسلم - : (إن للصائم عند فطره دعوة لا ترد) وأن يقول: (ذهب الظمأ وابتلت العروق وثبت الأجر إن شاء الله).
المجلس السابع:
في تأخير السحور وفضله:
فإن من السنة تأخير السحور، وهو الأكل في آخر الليل وسمي بذلك لأنه يقع وقت السحر لحديث أنس - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (تسحروا فإن في السحور بركة) وذكر الحافظ ابن حجر - رحمه الله - المراد بالبركة فقال: (هي اتباع السنة، ومخالفة أهل الكتاب والتقوى به على العبادة، والزيادة في النشاط، ومدافعة سوء الخلق الذي يثيره الجوع، والتسبب بالصدقة على من يسأل أو من يجتمع معه على الأكل، والتسبب للذكر والدعاء وقت مظنة الإجابة، وتدارك نية الصوم لمن أغفلها قبل أن ينام). وعند مسلم من حديث عمرو بن العاص - رضي الله عنه - ما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (فصل ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكلة السحر). قال النووي رحمه الله: (معناه الفارق والمميز بين صيامنا وصيامهم السحور فإنهم لا يتسحرون ونحن يستحب لنا السحور، وأكلة السحر هي السحور).
ما يستحب للمتسحر:
أولاً: تأخير السحور بحيث يبدأ من ثلث الليل الآخر إلى طلوع الفجر. ثانياً: أن يتسحر على تمر لقوله صلى اله عليه وسلم كما في حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -: (نعم سحور المؤمن التمر).
ثالثاً: أن يتسحر ولو بشربة ماء كما في حديث أبي سعيد - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم -: (السحور أكله بركة فلا تدعوه ولو أن يجرع أحدكم جرعة من ماء فإن الله وملائكته يصلون على المتسحرين).
رابعاً: أن مقدار ما بين السحور والآذان قدر قراءة خمسين آية من كتاب الله - عز وجل - لحديث زيد بن ثابت - رضي الله عنه - قال: تسحرنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم قام إلى الصلاة قلت: كم كان بين الأذان والسحور؟ قال قدر خمسين آية).
المجلس الثامن:
في مفسدات الصوم:
إن مفسدات الصوم هي: أولاً: الأكل والشرب: لقوله تعالى (وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثم أتموا الصيام إلى الليل) وما يدخل في معناهما كالإبر المغذية وحقن الدم، ومن أكل أو شرب عمداً في نهار رمضان فقد فسد صومه وارتكب إثماً فعليه بالتوبة والاستغفار وأن يقضي يومه الذي أفطر فيه وليس عليه كفارة.
ومن أكل أو شرب ناسياً فليتم صومه ولا قضاء عليه لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (من نسي وهو صائم فأكل وشرب فليتم صومه، فإنما أطعمه الله وسقاه).
ثانياً: الجماع: وإذا وقع في نهار رمضان من صائم فيجب عليه الإتمام مع القضاء وعليه كفارة مغلظة وهي عتق رقبة فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكيناً.
ثالثاً: إنزال المني يقظة باستمناء أو مباشرة أو تقبيل أو ضم أو نحو ذلك.
رابعاً: إخراج الدم بالحجامة ونحوها فأما خروج الدم بنفسه كالرعاف أو خروجه بقلع سن ونحوه فلا يفسد الصوم لأنه ليس حجامة ولا بمعنى حجامة والنهي جاء في الحجامة خاصة. خامساً: خروج الدم للحائض والنفساء فإنه يفسد عليهن الصوم ويلزمهن القضاء.
خالد بن محمد الأنصاري - عضو رابطة الأدب الإسلامي العالمية وعضو الجمعية السعودية للدراسات الدعوية
@khalidmalansary