|
الجزيرة - محمد السهلي:
في أواخر السبعينيات، أخذ السودان بفكرة التأمين الإسلامي أو التكافل، ولحقت به ماليزيا في عقد الثمانينيات. وعلى الرغم من بطء تقبل هذا التوجه في العالم الإسلامي في البداية، إلا أن الألفية الجديدة شهدت تسارعاً في الخطى نحوه. ويرجع ذلك إلى ظهور جيل من الشباب المتعلم، وإلى سعي عدد كبير من المسلمين إلى بديل لهذه الناحية المهمة على صعيد التجارة والتمويل الشخصي.
لا تزال بعض المجتمعات الإسلامية تعاني نقصا حول ما تقدمه آلية التأمين، وكيفية جعل هذه المنافع التأمينية متلائمة مع المعتقد الإسلامي الذي يحصل عبر تكافل. فالتساؤلات لا تزال قائمة حول مدى استعداد شركات التكافل بالقيام بحملة تسويقية تثقيفية , ذات طابع إسلامي, من أجل زيادة توعية المجتمع السعودي حول منتجات تكافل. فشركات التكافل ليست مجرد شركات صغيرة يتم المضاربة بأسهمها في سوق البورصة المحلية. بل إن الصورة أعم وأشمل لهذا القطاع الواعد الذي لبى احتياجات ورغبات بعض عناصر المجتمع الخليجي الرافضة لدخول عالم التأمين التقليدي.
تحريم التأمين التقليدي
ببساطة يمكن تعريف التأمين بأنه تحويل مسؤولية دفع الخسائر من شخص إلى آخر أو إلى جهة أخرى. لذلك فعلماء الدين يعترضون على هذا النوع من التأمين التقليدي نظرا لوجود عامل «الغرر» في عقد التأمين. والغرر معناه وجود خطورة أو عدم يقين.
لو تفحصنا عقد التعهد، لوجدنا أن الطرف المؤمن عليه يوافق على دفع قسط معين للطرف المؤِّمن مقابل تحويل المؤمن عليه خطورة تعرضه لخسارة مالية إلى المؤمن. وإذا تحققت هذه الخطورة أثناء سريان العقد، يترتب على المؤمن أن يعوض المؤمن عليه. ولو نظرنا إلى هذا العقد من وجهة نظر المؤمن عليه، لوجدنا أنه مقابل دفع قسط معين، فإنه قد يحصل أو لا يحصل على خدمة من المؤمن. والخدمة هنا، هي التعويض الذي يقدمه المؤمن عن الخسارة. وإذا انقضت مدة العقد دون أية مطالبة، فإن المؤمن عليه لا يسترد قسط التأمين.
ويتمثل أحد تفسيرات هذا الترتيب في أن المؤمن عليه حصل على خدمة من المؤمن، لأنه لو نشأت أية مطالبة، لتم تعويضه عن خسارته. وهناك تفسير آخر يقدمه علماء الدين ، وهو أن هذا العقد ينطوي على عنصر عدم اليقين من حيث إن الخدمة (التعويض عن الخسارة) يمكن أن يتم أو لا يتم تقديمها.
فتوى تكافل
عقد مجلس الفقه الإسلامي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي، مؤتمراً له في مدينة جدة في السعودية في كانون الأول (ديسمبر) 1985 للنظر في جميع أنواع وأشكال التأمين المعمول بها. وصدرت عن المجلس فتوى تعتبر أن التأمين التعاوني الذي يقوم على أساس التبرع والتعاون مقبول في الإسلام. وبموجب المفهوم التعاوني، فإن طرفي العقد يوافقان على تأمين بعضهما بعضا ضد الخسارة. ومن ناحية فعلية، فإن المؤمن عليه هو أيضاً مؤمِّن في التأمين التعاوني. بيد أن عنصر الغرر ما زال موجوداً في هذا العقد، إلا أنه يغض النظر عنه لأن العقد أبرم على أساس المساعدة والعون المتبادلين.
نماذج عمل «تكافل»
في عام 2003، تأسست رابع شركة تكافل في ماليزيا، شركة تكافل إخلاص ، واستخدمت هذه الشركة لأول مرة فكرة عقد» الوكالة» ليكون بمثابة النموذج البديل «للمضاربة». وفي هذا العقد، يعمل مشغل التكافل كوكيل عن المشاركين. ومقابل الخدمات التي يقدمها، يتقاضى أتعاباً متفقاً عليها ومحددة سلفاً. ويمكن أن تكون هذه الأتعاب نسبة مئوية من الإسهام (القسط الإجمالي) أو مبلغاً محدداً.
وهناك أتعاب على الجزء المخصص للمخاطر من الإسهام مثل أتعاب إدارية عامة ، وأتعاب على الاستثمار الذي يستخدم فيه الإسهام وأتعاب إدارية عامة وأتعاب إدارية على الموجودات .
وفي حالة الوفاة قبل انتهاء مدة العقد، يحصل الورثة على رصيد حساب اشتراكه زائداً المبلغ المتفق عليه، الذي يتم تحديده في بداية كل سنة أو شهر. وإذا كان هناك عجز في الحساب الخاص للمشتركين، يقوم المشغل بتقديم « قرض حسن» يتم سداده قبل توزيع أي فائض في المستقبل.
إذن كيف يربح المشغل بموجب نموذج التكافل هذا؟ يتم دفع قسط المخاطرة بانتظام من حساب الاشتراك المتراكم أو المجتمع. وهنا أيضاً، يتحمل المشغل وحده نفقات الإدارة ويتم تعويضه عن طريق أتعاب الوكالة. عند مقارنة هذا العقد مع نموذج «المضاربة»، فإن دخل المشغل يكون من الفائض ومن أرباح الاستثمار. وهذا يعني أنه إذا لم يكن هناك فائض أو ربح، فإن عقد المضاربة لا ينتج أي دخل للمشغل. في حين في عقد الوكالة، فإن هناك بعض الدخل دائماً، لأن أتعاب المشغل مبنية على رأس المال وليس على الدخل.
آفاق النمو
إن تغلغل صناعة التأمين في البلدان الإسلامية (من حيث إجمالي الموجودات والمساهمات)، خصوصاً في قطاع التأمين على الحياة، هو أقل من 1 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي. وبالتالي، فحين يُقرَن ذلك بالحجم الهائل للأمة الإسلامية التي يزيد عدد أفرادها على 1.3 مليار نسمة، فإنه لا توجد حدود لخدمات ومنتجات التكافل. ومع ذلك فإن الفرص لا تأتي بسهولة. فهناك عدد من القضايا الحيوية التي يجب التعامل معها لضمان الصدقية والقبول، وبالتالي تحقيق مستقبل زاهر للتكافل. فعلى سبيل المثال يجب على الشركات المشغلة أن تتمتع برأسمال مناسب حتى تتوافر لديها قوة مالية معقولة، وتستطيع بالتالي الوفاء بطلب السوق بصورة مناسبة. والشركة الضعيفة نسبياً لا تعوق فقط تطورها في مجال الأعمال، ولكنها ربما تعتمد اعتماداً مكثفاً على مساندة شركات «إعادة التكافل»، مما يعني أنها ستقع تحت رحمة شركات إعادة التأمين التقليدية.
إن شركات التكافل، باعتبارها من شركات الخدمات، فإن سرعة تقدمها ستعتمد إلى حد كبير على اليد العاملة فيها وعلى كفاءة مواردها البشرية. ولذلك فإن افتقار الشركات إلى عناصر مدربة وذات خبرة يمكن أن يعوق تقدم صناعة التكافل . لذلك ينبغي البدء في برامج خاصة لتدريب اليد العاملة ليس فقط على الجوانب الفنية للتأمين، بل حتى الجوانب التي تغطي الأمور المالية والاستثمار، وكذلك إدراك المبادئ الشرعية.