من سُرِق منه مال أو متاع فسيغضب، هذا لا شك فيه. ولكن ماذا ستفعل لو أن أياماً سُرِقَت منك وأنت لا تشعر؟ هذا ما حصل للأوروبيين، ليس مرة واحدة بل مرات كثيرة!
كان قدماء الرومان يستخدمون القمر للتأريخ بالشهور، ولم يتقنوا هذه العملية فأتت السنة عندهم 355 يوماً وهو رقم استصغروه كثيراً، ولكي يعطوه اتّساقاً وثباتاً بدأوا يضيفون له الأيام باستمرار، لكن ظهرت احتمالية مقلقة وطريفة في نفس الوقت: ماذا لو أراد الناس التلاعب بالوقت؟ هذه الاحتمالية تحولت إلى واقع! ما الذي حصل؟ بدأ إمبراطور يمط السنة ليزيد في وقت حكمه المحدد مسبقاً، وذلك بأن يصدر قراراً يقضي أن هذه السنة مثلاً سنضيف لها شهرين، وتبعه بقية الأباطرة في ذلك، وأخذ آخرون يقصّرون فترات حكم الذين لا يحبون، وهكذا صار الفساد لا يقتصر على التلاعب بالمال فقط بل بالوقت! اختل التقويم الروماني هكذا حتى أتى يوليوس قيصر، وأنكر هذا الخلل الكبير فتفتق ذهنه عن خطة يصلح بها التقويم: أضاف شهرين إضافيين واعتمد على الشمس بدلاًمن القمر وجعل أول يوم في السنة 1 يناير بدلاً من 1 مارس، وهكذا صارت السنة 365 يوماً، وزاد يوماً إضافياً لكل 4 سنوات ليَكمُل النقص وهي التي تُسمى السنة الكبيسة، وأرضى هذا بعضاً لكنه أغضب غيرهم، فانتقدوا الإمبراطور وقالوا: إن يوليوس لم يعد مكتفياً بحكم الأرض فهو يريد الآن أن يحكم السماء أيضاً! ولكنه حل جيد آنذاك، فلما أتى يوليوس عام 46 قبل الميلاد كانت السنة الرومانية قد اضطربت بنقصها، فأضاف شهرين بين نوفمبر وديسمبر لتلك السنة، وأضاف 3 أسابيع بين فبراير ومارس حتى صارت تلك السنة فريدة من نوعها لم يمر على الناس مثلها في الطول: 445 يوما! في روما عُرِفَت هذه السنة بسنة الحيرة، ولكن الحقيقة أنها السنة التي أراحتهم من الكثير من الحيرة بسبب هذا التقويم القيصري، إلا ما حصل بعد ألف سنة وهو أمر لم يضعه يوليوس في الحسبان!
التقويم القيصري لم يكن بالغ الدقة بل كان يَنقُص 11 دقيقة كل سنة، وكان هذا أمراً بسيطاً في البداية ولكن على مر السنين تراكمت الدقائق فصارت ساعات ثم أياما، وبدأ التقويم الميلادي يضطرب من جديد، وبعد 1600 سنة لما خافوا أن يختل أمرهم مرة أخرى قام البابا غريغوري الثالث عشر باعتماد تقويم جديد معتمداً على توصيات وآراء لجنة من الخبراء الذين اقترحوا أسلوباً علمياً أكثر دقة يضبطون به التاريخ، غير أن مشكلة ظهرت في آخرلحظة قبل تطبيق التقويم: اكتشفت اللجنة أن التقويم الجديد لا يمكن إقراره إلا بسلخ 10 أيام من ذلك الشهر! فكّروا وحاولوا فلم يجدوا مفراً من هذا الأمر، فاعتمدوا التقويم الجديد. نام الملايين من الأوروبيين في 4 أكتوبر من عام 1582م ولما استيقظوا اليوم التالي وإذا بالتاريخ قد قفز 10 أيام للمستقبل إلى 15 أكتوبر! اختلّت المواعيد وتشوشت الأمور واحتار الناس، ولما عرفوا أن البابا هو السبب خرج الكثير ثائرين ساخطين ضد البابا الذي اتهموه أنه سرق أياماً من أعمارهم، ورفضت بعض الدول الأوروبية إقرار هذا التقويم، غير أنهم رضخوا في النهاية وصار هذا هو التقويم الميلادي الذي يُستخدم إلى اليوم.
التقويم الميلادي الحالي أفضل مما سبقه، ذلك أن الخطأ فيه هو يوم واحد كل ثلاثة آلاف سنة، ولنترك مهمة إصلاح هذا الخطأ لمن سيأتون بعد مليون سنة من اليوم!