المبادرات العديدة التي أطلقت في السنوات القلية الماضية الهادفة لتوفير تمويل للمنشآت الصغيرة فشلت حتى الآن في تحقيق المرجو منها، حيث لم تنجح في جعل هذه المنشآت حاضنة لمزيد من فرص العمل للعمالة المواطنة. الأمر الذي يؤكد أن إطلاق هذه المبادرات لم يبنَ على فهم لطبيعة الاقتصاد السعودي، نتج عنه محاولة تطبيق نماذج نجحت في اقتصادات أخرى ظروفها مختلفة تماما دون مراعاة الفرق في الحالتين. فمشكلة الاقتصاد السعودي المتمثلة في محدودية فرص العمل المتاحة للعمالة المواطنة، رغم وجود ما يزيد على عشرة ملايين عامل أجنبي، من أهم أسبابها ضخامة عدد المنشآت الصغيرة لا محدودية عددها، حيث لعبت هذه المنشآت دوراً مهماً في تضييق فرص العمل أمام العمالة الموطنة. فكما نعلم ونشاهد جميعا فكافة المنشآت الصغيرة تقريباً تعتمد على العمالة الأجنبية وقلما تجد مواطنا يعمل في منشأة صغيرة، وهي في الغالب مملوكة للعمالة الأجنبية التي تعمل بها، وحتى عندما يمتلكها مواطن فإنه يكتفي في الغالب بمبلغ مقطوع تدفعها له العمالة الأجنبية التي تعمل بها.
فهيكلية سوق العمل المحلية، وبسبب توفر العمالة الأجنبية متدنية الأجر والتكلفة، تجعل من غير الممكن بل حتى من المستحيل أن تستطيع منشأة صغيرة تدار وتشغل من قبل مواطن أن تنافس منشأة تدار وتشغل من عمالة أجنبية، ما يجعل من الضروري أن ندرك أن لدينا واقعاً خاصاً يحتاج حلول مختلفة تماما، وعلينا ألا نكتفي فقط بمحاكاة الآخرين دون مراعاة الاختلاف الجوهري في طبيعة اقتصادنا عن طبيعة الاقتصادات التي نحاول أن نحاكي تجاربها في تشجيع وتمويل المنشآت الصغيرة. فعدم اعتماد اقتصادات تلك البلدان على عمالة أجنبية مستقدمة رخيصة جدا جعل من عملية تشجيع المنشآت الصغيرة وتوفير التمويل الميسر لها وسيلة ناجعة لخلق المزيد من فرص العمل وأن تصبح نواة وحاضنات لمنشآت أكبر مستقبلا وهو أمر متعذر الحدوث في الاقتصاد السعودي.
فوفق هيكلة سوق العمل الحالية فإن المنشآت الكبيرة هي وحدها المؤهلة لتوظيف العمالة الوطنية وتمتلك من مقومات الوجود والقدرة على المنافسة ما يمكنها من تحمل ارتفاع تكلفة تشغيلها نتيجة توظيف العمالة السعودية بأجور مقبولة. فلا يتوقع مثلاً من بقالة صغيرة تقع على شارع يوجد به عشرات البقالات الأخرى أن توظف مواطنا وتستطيع البقاء في السوق بينما تستطيع الأسواق الكبيرة القيام بذلك دون مشكلة متى ما فرض عليها ذلك. لذا ووفق معطيات سوق العمل الحالية في المملكة فإنه قد يكون من المناسب اتخاذ إجراءات تحد من تواجد المنشآت الصغيرة لا تنميتها وزيادة أعدادها. ففي المنشآت الصغيرة يعمل حالياً ما يزيد على 80% من إجمالي العمالة الأجنبية بالمملكة وهي لا تتعدى كونها أوكاراً للتستر التجاري الحد منها سيزيد من قدرة الاقتصاد الوطني على خلق فرص وظيفية أفضل للمواطنين لا تشجيعها وتوفير تمويل لها فكل ما سيتحقق من ذلك مزيد من حالات التستر لا أكثر.
alsultan11@gmail.comأكاديمي وكاتب اقتصادي *** on twitter @alsultanam