الحب ظاهرة إنسانية راقية وأصيلة في النفوس، وذات طابع روحي وتأملي أيضا.
فمن الحب والعشق وتعلق القلب بالمحبوب، إلى المتصوفة الذين يعتبرون أن حب جمال المخلوق هو المرحلة الأولية، إلى محبة خالق الجمال، ويعتبرونها المحبة الحقيقية أو العشق الحقيقي.
وعموما فإن الحب في تاريخه الإنساني أثار جدلاً فلسفياً حول ماهيته فتناوله علم النفس، وعلم الاجتماع وغيرهما من علوم فكرية وفلسفية.
والاتفاق أنه فطرة إنسانية، لا نحتاج أن نتعلمها بل أن نتعلم كيف نعبر عنها، كيف نشبعها، كيف ننطلق معها وبها.
والحب العذري مقتبس من الحب الأفلاطوني عند اليونان, والفلسفة تذهب إلى تعريفه بأنه الأرواح المقسومة التي تظل تبحث عن جزئها المفقود حتى تتوحد معه في حالة حب أبدي وحقيقي، “النصف الثاني”، وعندما تجده تلتحم به أو قد تندم للأبد.
وبشكل أشمل فقد جاء في رسائل إخوان الصفا رسالة عن ما هية العشق، فعللوا محبة شخص لآخر دون سائر الأشخاص إلى اتفاق فلكي بينهما في أصل مولدهما, وأما تغير العشق بعد ثباته زمانا طويلا فهو نتيجة تغيير أشكال الفلك.
وفي سياقة التفاعل الكيمائي بين الأشخاص، والذي يحدد درجة القبول والتطابق، أو الرفض والتنافر، وهو ما ينطبق على العلاقات العامة أيضا! وقديما قيل، لا إيمان لمن لا محبة له، فالإيمان والحب متلازمان، مثل تلازم الروح والجسد، فما قيمة الجسد من دون روح؟ كذلك ما قيمة الإيمان من دون حب؟
وقد يكون -الحب- أخطر وأهم التجارب الإنسانية، وذات بعد في تشكيل الإنسان ومساراته وطموحه، إنه تجربة وجودية عميقة تنتزع الإنسان من وحدته القاسية الباردة لكي تقدم له حرارة الحياة المشتركة التي من شأنها أن تعلو بأنفسنا عن العبث والابتذال العاطفي وتحمي إنسانيتنا من الضياع.
(وتنقل الإنسان إلى تلك الواحات الضائعة من الطهارة والنضارة والشعر والموسيقى).
لذا ليس غريباً أن الأديان عالجت معضلة الشر بمحبّة الآخر، وربطها بحبّنا لأنفسنا؛ لتصبح المحبّة هي الشّريعة البشرية الّتي تساعد الإنسان على الابتعاد عن فعل الشر والتورط فيه أو حاله وظلماته، لأن القلوب المنيرة بالحب لا يمكن أن تنجذب إلى أفكار وظلمات الشر، مهما تلبست وتشكلت أو تجملت.
وإلى نداء الإنسانية والمحبة والجمال، و”أكثر الشعراء صوفية وأكثر الصوفيين شاعرية”، إنه طاغور الذي سحر الغرب بكتاباته، واستحق جائزة نوبل للأدب عام 1913: (.. كانت الشمس تشرق بتؤدة فوق أوراق الأشجار؛ وفجأة، بدا وكأن نقاباً انزاح من أمام ناظري.
لقد أبصرت العالم كله مغموراً بمجد يفوق الوصف؛ أمواج من الفرح والجمال تومض وتتصادم من كل صوب، لم يكن ثمة شيء أو أحد لم أكن أحبه في تلك اللحظة، وفي كلية رؤياي لاح لي أنني كنت شاهداً على حركات جسم الإنسانية بأسرها، شاعراً بموسيقى وبإيقاع رقصة سرية...).