أتمنى أن يطل رؤساء الدول الإسلامية من قصر الصفا بمكة المكرمة على ساحة الحرم الشريف ويتأملوا في شعوبهم جيداً وهم في أطهر بقعة على وجه الأرض.. وتكون هذه الإطلالة التأملية هي المنطلق والأس لاجتماعهم الاستثنائي هذا.
قادة عالمنا الحبيب.. لقد اختارت هذه العينة من شعوبكم هذا الدين بمحض إرادتها، وجاءت من كل مكان متحديةً كل الظروف، قاطعةً مسافات طويلة وصعبة رغبة فيما عند الله من الأجر، لذا فهي باختصار رضيت الإسلام ديناً يحكمها في سلوكها ويضبط إيقاع حياتها ويحرك الدافعية لديها مهما كان حجم التحديات وكثرت المعوقات والصعوبات.. فلماذا لا يكون ما رضيته ديناً ينظم علاقتها بخالقها هو المرجع الذي يحكم مسارب حياتها المختلفة في عالمنا الإسلامي العزيز؟
أتمنى أن يركز حكامنا على شعوبهم وهم يطوفون حول الكعبة.. وهم يلهجون بالدعاء.. وهم يؤمِّنون على دعاء الإمام.. وهم يصلون جهة القبلة صلواتهم المفروضة وركعاتهم التطوعية “ النوافل “.. ليعلم هؤلاء القادة أننا اخترنا بمحض إرادتنا أن نتجه شطر المسجد الحرام لا شطر الغرب أو الشرق ولا أن نقلب وجوهنا في السماء بحثاً على مرجعية نلوذ بها.
أتمنى أن تطول وقفة تأملهم لشعوبهم وهم يقرؤون كتاب الله، وهم يبكون خشوعاً في صلاة التراويح أو القيام من عظم ما يسمعون أو يتلون، ليعلموا علم يقين أن هذه العينة التي بين أيديهم اختارت القرآن الكريم دستوراً لها، تتحاكم إليها ويحكمها في شؤون حياتها.
أتمنى أن تمتد أبصار هؤلاء القادة شطر الحجر الأسود ليروا كيف يتزاحم أفراد من شعوبهم،، لغاتهم مختلفة وأشكالهم وألوانهم وملابسهم و.... متباينة، كيف يزدحمون من أجل الظفر بقُبلة صادقة للحجر الأسود وهم يعلمون أنه حجر لا يضر ولا ينفع ولكن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبَّله فيقبلونه،، ليعلم ولاة أمر المسلمين من هذا المشهد الحي أن قدوة شعوبهم وأسوتهم والنموذج الأمثل لهم هو محمد بن عبد الله عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم.
أتمنى أن يتذكروا حكاية تاريخ هذا الجزء من العالم منذ لحظة الامتحان الكبير لإبراهيم عليه السلام وحتى عودة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أرض مكة فاتحاً لها ليعلموا أن الدنيا لا شيء، مجرد بداية سرعان ما تتكامل فصولها وصولاً للنهاية ولكن العاقبة في الدنيا قبل الآخرة هي لأهل الصلاح وعناوين الإصلاح وقادة قوافل المتقين.
أتمنى أن يسلطوا أبصارهم على تفاصيل العلائق بين هؤلاء المعتمرين وهم يتسالمون ويتصافحون ويتحدثون لبعضهم البعض عن بلادهم، عن حياتهم، عن أوجاعهم، عن حكامهم، عن أنظمتهم وقوانينهم، عن آمالهم وطموحاتهم، عن ماضيهم وواقعهم ومستقبلهم ليعلموا أن الصوت الإسلامي كما هو في ذهنية الشعوب لم يعد حبيس الحدود ولا هو بين المثقفين وداخل أروقة دور السياسيين والاقتصاديين بل هو اليوم أمر مشاع لا يمكن أن يسكته أحد.
إن التضامن ليس قراراً سياسياً صرفاً، ولا أمراً اختيارياً بيد صناع القرار والمنظرين والقادة دون غيرهم بل هو جزء من تكوين أمتنا الداخلي، يقوم على ركائز دينية يعرفها الكل، فضلاً عن معطيات الواقع التي تجعل التضامن.. والتعاون.. والوحدة الإسلامية مشروعات استراتيجية في هذا الوقت بالذات، والمتابع لحال الشعوب الإسلامية والمطلع على مواقعهم ومنتدياتهم ومجالسهم يعرف أن هناك وشائج حب وعلائق صدق فقط هي بحاجة إلى الغطاء.. وستكون - بإذن الله - هذه القمة الاستثنائية في هذه الليالي المباركات الغطاء الذي نبحث عنه، ستكون المفتاح لأبواب الخير وطرق العز والنصر والتمكين لأمتنا الإسلامية الحبيبة، والفضل يعود - بعد الله - لقائد مسيرتنا المباركة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز الذي جمع الله له شرف الاسم فخير الأسماء ما حُمِّد وعُبِّد وكذا شرف اللقب.. فشكراً
لكم خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز على مواقفكم الخالدة ومبادراتكم الرائعة وما اختياركم - رعاكم الله - المكان “بجوار المسجد الحرام” وفي هذا الزمن “ ليلة السابع والعشرين من رمضان” للحوار حول أمر أمتنا الإسلامية ووحدتها المنتظرة إلا دليل صادق على حسن النوايا والعزم الأكيد على تحقيق ما فيه سلامة وسعادة وطمأنينة المسلمين في كل مكان، دمتم قادتنا وشعوب عالمنا الإسلامي بخير، وحقن الله دماء إخواننا المسلمين في سورية وبورما وحفظ أعراضهم ونصرهم على عدوك وعدوهم وإلى لقاء والسلام.