|
القاهرة - مكتب الجزيرة - على فراج:
دعوة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود لعقد اجتماع استثنائي لمؤتمر التضامن الإسلامي في مكة المكرمة في الخامس عشر من أغسطس الجاري، فرصة ثمينة لإعادة التلاحم والتضامن الإسلامي في هذه الظروف الاستثنائية التي تمر بها الأمتين العربية والإسلامية، ولأن الملك عبد الله حريص على وحدة الأمة الإسلامية، ومهموم بقضاياها فكان له السبق كما هو معتاد لجمع شمل الأمة في الأرض المقدسة في الشهر المبارك، لدراسة ما يجرى في الساحة الإسلامية ووضع تصورات دقيقة وحلول عاجلة للتحديات التي تضغط على جسد الأمة من كل مكان.. من سورية إلى دول الربيع العربي إلى السودان والصومال، إلى بورما حيث التطهير العرقي يمارس بقسوة وغلظة غير مسبوقتين ضد المسلمين وسط تقاعس دولي مريب... فضلا عن قضايا التماس بين الشرق والغرب وحوار الأديان والحضارات، كل ذلك جعل من الدعوة للقمة الإسلامية ومكان انعقادها وتوقيتها حدثا يحمل دلالات عديدة وآمالا كبرى للمسلمين في شتّى بقاع الأرض، كما أنها تؤكد حرص خادم الحرمين الشريفين على ما فيه خدمة الإسلام والمسلمين ووحدتهم في هذا الوقت الدقيق والمخاطر التي تواجهها الأمة الإسلامية من احتمالات التجزئة والفتنة في الوقت الذي تحتاج فيه إلى وحدة الصف والكلمة.
ما فعله الملك عبد الله من الأخذ بزمام المبادرة ودعوة أشقائه في العالم الإسلامي لهذه القمة الاستثنائية، ليس بجديد على جلالته فالمواقف القيادية للمملكة تجاه التحديات الدولية التي تواجه الأمة الإسلامية والعربية تعتبر في طليعة اهتمامات حكومة المملكة التي تعتمد على الدبلوماسية في مواجهة هذه التحديات وقد استطاعت في ملفات لا حصر لها بفضل حكمة الملك عبد الله بن عبد العزيز أن ترد على الحملات الغربية على الإسلام بمنتهى الثبات والقوة ووضحت الصورة الحقيقية للإسلام، خاصة أن مساعي ومجهودات خادم الحرمين الشريفين في مجال الدعوة تتسم بالتميز في الفاعلية والتأثير والنجاح، وهو حقا صاحب أياد بيضاء على الدعوة الإسلامية في مختلف بلدان العالم بشكل عام.
كما أن دعوة الملك إلى عقد قمة استثنائية سوف يكون على صدر أولوياتها بحث الأزمة السورية، خاصة بعد توحش النظام بقيادة الرئيس بشار الأسد ضد المواطنين العزل، ليست بغريبة على المملكة وتقاليدها، وعلى حكمة الملك ومشاعره الأخوية والإنسانية نحو الأشقاء في سورية، وقد وضح ذلك من حملات مناصرة السوريين التي انطلقت من المملكة لإغاثة شعب أعزل يضربه رئيسه بالدبابات والطائرات ومدافع الهاون دون ذنب أو جريرة سوى أنه خرج عن صمته وتحدى الظلم والاستبداد وطالب بإسقاط النظام الذي أذاقه الويل والثبور وعظائم الأمور... لتؤكد المملكة يوما بعد يوم تواصلها مع الشعوب المسلمة في محنتها، ويأمل السوريون ومن خلفهم كل الشعوب المسلمة والحرة أن تكون القمة على قدر المسؤولية التي دعا إليها الملك عبد الله وتتخذ موقفا موحدا تجاه الملف السوري النازف وتوجيه رسالة قوية إلى الدول التي تدعم النظام القاتل في سورية، لا بل تشترك معه بالقتل سواء كانت إسلامية أو غير إسلامية ان العالم العربي والإسلامي لن ينسى لها تلك المواقف المخزية ضد الشعب السوري.
من القضايا التي تواجه القمة الإسلامية ما يحدث لمسلمي بورما حيث تشهد ميانمار موجات عنف شرسة يقوم بها البوذيون ضد الأقلية المسلمة تمثلت في مذابح بشعة ضد النساء والأطفال والشيوخ وحرق المنازل، وسط تواطؤ من السلطات الحاكمة هناك، لدرجة أن الأمن لا يتدخل لوقف تلك الإبادة الجماعية بحق المسلمين على الرغم من استنجاد القرويين المسلمين من الصيادين والفلاحين به، كما أن حكومة ميانمار تمارس بحقهم أعمالاً غير إنسانية وتفرض عليهم قيودًا غير منطقية، إذ تنعدم في مناطقهم البنية التحتية، من الماء والكهرباء والخدمات الطبية وغيرها،كما أن السلطات هناك تحرم المسلمين من حق التعليم، حيث يقتصر على الكتاتيب ولا يمكن قبول المسلمين بالمدارس النظامية فوق المرحلة المتوسطة، كما فرضت تنظيمات جديدة بتحديد النسل، ومنع التعدد في الزوجات، ومنع تزويج النساء المطلقات، وألا يقل سن الزوج عن 30 عامًا والزوجة عن 25 عامًا، في المقابل يُمنَح البوذيون حرية التزويج والنسل.
وقد كانت الحكومة السعودية من أول الحكومات التي سارعت بإدانة ما يحدث في بورما حيث أعلنت استنكارها للمجازر ووصفتها بأنها «حملة تطهير عرقي وأدان مجلس الوزراء السعودي الأعمال الوحشية وانتهاك حقوق الإنسان الذي يتعرضون له لإجبارهم على مغادرة وطنهم وطالب المجلس, المجتمع الدولي بتحمل مسؤولياته لتوفير الحماية اللازمة و العيش الكريم للمسلمين في ميانمار والحيلولة دون سقوط مزيد من الضحايا..ويأمل المسلمون في شتى بقاع الأرض أن تخرج القمة الإسلامية بموقف حاسم لنصرة المسلمين في بورما وتحريك المجتمع الدولي من سباته العميق والمريب لوقف هذا العدوان غير المبرر على شعب بورما المسلم، وفضح تلك الممارسات غير القانونية التي تقوم بها سلطات بورما.
هناك أيضاً قضايا الربيع العربي وحالة التفكك والصراع الداخلي في هذه الدول خاصة تونس وليبيا ومصر واليمن، حيث يقع على كاهل القمة مسؤولية إصلاح ذات البين بين أبناء هذه الدول حتى تخرج دولهم من حالة التشرذم التي أعقبت سقوط أنظمتها الفاسدة والبدء في بناء أوطانهم مجددا حتى تكون هذه الدول بشكلها الجديد إضافة قوية لنصرة المسلمين، وعلى القمة الإسلامية أن تستثمر مكانة خادم الحرمين الشريفين العالية لدى أبناء دول الربيع العربي ومواقفه المنحازة للشعوب، واتخاذ قرارات ومواقف داعمة للوحدة بين أبناء الدول التي قامت فيها ثورات الربيع العربي ودعم التنمية والاقتصاد في هذه الدول حتى تقوم من عثرتها.
يعتبر المؤتمر الجديد ثاني مؤتمر استثنائي يعقد في مكة المكرمة خلال السنوات السبع الأخيرة، فقد سبق أن عقد مؤتمر القمة الإسلامي الطارئ عام 1426هـ وإصدار وقتها قرارات وتعهدات تاريخية كبر ما زال لها التأثير الكبير في عالمنا الإسلامي، في مجالات السياسة والاقتصاد والاجتماع والثقافة،فقد عقد مؤتمر القمة الإسلامي الاستثنائي الذي عرف بـ»مواجهة تحديات القرن الحادي والعشرين، التضامن في العمل» في مكة المكرمة في 5-6 ذي القعدة 1426هـ الموافق 7-8 ديسمبر 2005م، تلبية لدعوة من الملك عبد الله بن عبد العزيز، وقد أكد المؤتمر حينها أن الإسلام هو دين الوسطية ويرفض الغلو والتطرف والانغلاق، وأكد في هذا الصدد أهمية التصدي للفكر المنحرف بكل الوسائل المتاحة، إلى جانب تطوير المناهج الدراسية بما يرسخ القيم الإسلامية في مجالات التفاهم والتسامح والحوار والتعددية.
وأكد المؤتمر على أن حوار الحضارات المبني على الاحترام والفهم المتبادلين والمساواة بين الشعوب أمر ضروري لبناء عالم يسوده التسامح والتعاون والسلام والثقة بين الأمم. ودعا المؤتمر إلى مكافحة التطرف المتستر بالدين والمذهب، وعدم تكفير أتباع المذاهب الإسلامية، وأكد تعميق الحوار بينها وتعزيز الاعتدال والوسطية والتسامح، وندد بالجرأة على الفتوى ممن ليس أهلا لها،كما أكد المؤتمر أهمية قضية فلسطين، باعتبارها القضية المركزية للأمة الإسلامية، وعليه فإن إنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية والفلسطينية المحتلة منذ عام 1967م، بما فيها القدس الشرقية والجولان السوري، واستكمال الانسحاب الإسرائيلي من باقي الأراضي اللبنانية المحتلة وفق قرار مجلس الأمن الدولي رقم 425، يعتبر مطلباً حيوياً للأمة الإسلامية قاطبة، وناقشت القمة الوضع في العراق وأعرب المؤتمر عن التضامن مع الشعب القبرصي التركي المسلم وحقه المشروع، بتأكيد القرارات الصادرة عن المؤتمرات الإسلامية بشأن قبرص وجدد المؤتمر ترحيبه باتفاق السلام الشامل في السودان والقرار الصادر عن القمة العاشرة بإنشاء صندوق لإعادة إعمار المناطق المتأثرة بالحرب في السودان، وحث الدول الأعضاء على المساهمة الفعالة في الصندوق وأعرب المؤتمر عن قلقه إزاء تنامي الكراهية ضد الإسلام والمسلمين وندد بالإساءة إلى صورة نبي الإسلام محمد - صلى الله عليه وسلم - في وسائل إعلام بعض البلدان، وأكد المؤتمر ضرورة قيام وسائل الإعلام في العالم الإسلامي بعرض الوجه الحقيقي المشرق لعقيدتنا الإسلامية والتعامل مع الإعلام الدولي بكيفية فعالة تحقق هذا الهدف وأكد المؤتمر على أهمية إصلاح مجمع الفقه الإسلامي ليكون مرجعية فقهية للأمة الإسلامية.
واليوم ينتظر المسلمون في كل مكان في شتى بقاع المعمورة أن تتخذ القمة الإسلامية الاستثنائية قرارات جوهرية حيال ما استجد من قضايا في العالم الإسلامي خلال السنوات السبع الماضية، وهى قضايا كثيرة ومتشابكة ومتشعبة.. لكن الأمل في قادة الأمة لا يزال قويا وكبيرا خاصة أن القمة تعقد بمكة وتحت رعاية خادم الحرمين الشريفين.