إن التنمية أي تنمية ربما تتأتى بدون موارد مالية تذكر, وأن من أول أبواب التنمية التي لا تحتاج إلى موارد مالية هي التنمية البشرية التي تجر وراءها كل تنمية مادية على مختلف أنواعها، فالدول المتقدمة التي لها كعب عالٍ ونالت القدح المعلى في التنمية المادية هي دول قامت تنميتها المادية على أسس متينة في مجال التنمية البشرية؛ بمعنى أكثر إيضاحاً من ذلك أن التنمية المادية أياً كان مجالها لابد في الأساس أن تقوم على كاهل التنمية البشرية، وهنا ينبثق سؤال هام ألا وهو يا ترى ما هي التنمية البشرية التي يتحقق من ورائها تنمية مادية واعدة؟ إن التنمية البشرية قد أفصح عن معانيها وحي الله الطاهر في قوله تعالى: {إن خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِين} القصص: 26، إن هذه الآية الكريمة جمعت الأسس التي تقوم عليها التنمية البشرية ألا وهما (القوة والأمانة)، يا لها من أسس متينة.
فالشخص الذي عُهد إليه مثلاً بمشروع في مجال التنمية المادية من الواجب أن يكون شخصاً قوياً يتغلب على نوازعه البشرية متخلصاً من الغش والتدليس والطمع.
إذا كم من سقطاتٍ وهنات في مجالات التنمية المادية بسبب أن هذا الشخص أو ذاك لعبت عليه نوازعه البشرية من أطماعٍ جاوزت المعقول.
فمشاريع الدولة التي أسندتها إلى بعض الأشخاص حصل فيها تجديف وهرطقة في إنشائها بسبب أن تنفيذ هذا المشروع غير مطابق لبغية حكومتنا الرشيدة أعزها الله، حينما عهدت لهذا الشخص أو ذاك بهذا المشروع فإنه في بالها وبغيتها أن يكون هذا المشروع ينفذ وفق المواصفات العالمية أو يفوق ذلك.
ومع ذلك يحصل العكس، فكثيراً ما نرى بعض مشاريعنا التنموية تتخرد وتتآكل بسرعة.
إني هنا لا أريد أن أجلد ذوات الذين يتعهدون بإنشاء مشاريعنا التنموية، فالتلميح أحياناً يغني عن التصريح.
إن التنمية البشرية التي تقوم على أسس التنمية البشرية تدلف بنا إلى إيجاد تنمية مادية واعدة على جميع الصُعد، وأنه متى توافرت هذه الأسس المتينة قوة في العمل وأمانة في الأداء، فإن أي عمل إنساني لاشك ولا ريب سيحظى بالقبول عند الناس، وإن عناصر التنمية البشرية من هذا المنطلق تمد التنمية المادية بحسن وجمال متخلصة من البشاعة والنشاز.
باختصار شديد متى ما كان الشخص يملك مواصفات مفهوم استيعاب التنمية البشرية، فمن المؤكد أنه سيحقق لمجتمعه تنمية مادية ممتازة، فالدول المتقدمة في هذا النسق الرحب التي أحرزت قصب السبق في مجال التنمية المادية تمتلك تنمية بشرية قبل التنمية المادية، إذاً من هذا وذاك نفهم جلياً أن التنمية المادية تقوم على عاتق التنمية البشرية وأن التنمية البشرية التي تسبق التنمية المادية يجب أن تتوافر في صفوف الدرس وعند الآباء والمعلمين والأساتذة تحت قبب الجامعات والمنتديات والمؤتمرات.
وأخيراً اسمحوا لي أيها القراء الكرام أن أتوّج مقالي بمقولة يكررها ولاة أمرنا في هذا البلد الأمين حينما يقولون إن همنا الأول هو التنمية البشرية فمتى ما تحقق لدينا تنمية بشرية أمسكنا التنمية المادية بقرنيها، يالها من عبارة ذات مضامين ومعان سامية.