|
أبها - عوض مانع القحطاني - وعبدالله الهاجري:
في الوقت الذي يتسارع فيه العديد من المواطنين أو أبناء القبيلة الواحدة وأهل الخير لجمع دية قد تصل إلى العشرين والثلاثين مليون ريال للمحاولة في فعل الخير لعتق رقبة أحد المواطنين بعد أن أقدم على قتل آخر سواء دون عمد أو في تسرع أو خلال غضب، بل إنه يمكثون الأيام والشهور الطويلة وتصل أحيانا إلى بضع سنين حتى يتمكنوا من جمع تلك المبالغ «الدية» وتسليمها لأهل الدم، بل إن القاتل قد يمكث في السجن لعشرات السنون حتى يكبر ذوو الدم ويتخذوا قرارهم سواء بالتنازل أو القصاص، ضرب مواطن في منطقة عسير واحدة من أنقى صور التسامح والعفو وذلك حين قرر في ظرف نصف ساعة من مقتل ابنه على يد أحد أبناء جيرانه التنازل عن قاتل ابنه دون شرط أو قيد بل وتنازل لوجه الله تعالى، ولم يقتصر فقط عن تنازله عن القاتل من دون مال، بل إنه يسعى حالياً جاهداً لفك قيد القاتل مناشداً خادم الحرمين في هذا الشأن بفك قيد القاتل وداعياً أمير عسير للمساعدة في هذا الأمر وسرعة إطلاق سراحه خلال أيام هذا الشهر، ولم ينته الأمر فقط عن هذا الحد من المواطن سعيد يحيى القحطاني والد القتيل بل إنه أقام عزاء ابنه في بيت والد القاتل راسماً صورة واقعية لمجتمعنا عن معاني الجيرة والمحبة، فيما لم تقل مناشدة والدة القتيل عن مناشدة زوجها، حين طلبت من خادم الحرمين بأن يطلق سراح القاتل ليقضي العيد بين أسرته وزوجته والتي هي الآن على وشك الولادة، مؤكدة بأنه تنازل عن القاتل لأنها تعتبره ابنها ومعتبرة بأن ولدها مات شهيداً أو في حادث سيارة.
وفي تفاصيل الحادثة و ما بعدها والتي شهدتها منطقة عسير تفاصيلها خلال أيام الشهر الكريم بأن مواطن ضرب أروع المثل في العفو عند المقدرة والصبر على البلاء والاحتساب عند المصيبة من خلال التنازل والتسامح عن قاتل ابنه دون قيد أو شرط ودون مغريات مالية أو البحث عن الثراء من خلال دم ابنه، حيث تفاجأ المواطن سعيد يحيى الرفيدي القحطاني من قبائل عراب تهامة قحطان التابعة لمنطقة عسير باتصال من زوجته وهو قائم في صلاته تبلغه عن مشاجرة قد حصلت بين أبنائه أثناء صلاة التراويح، حيث هرع للمستشفى لتقصي الواقعة والاطمئنان على فلذات كبده ليتفاجأ بالخبر عن مقتله ابنه والبالغ من العمر 18 عاماً ويدرس في المرحلة الثانوية، فيما تمكن الفريق الطبي من الإبقاء على ابنه الآخر والبالغ من العمر 17 عاماً حياً بعد أن تم إجراء عمليه جراحية له تمكنوا من خلالها من إيقاف النزيف، فيما كانت الصدمة لوالد المتوفي بأن من قام بطعنه ابن جيرانه ويعتبر والده من المقربين لديه، حيث قرر على الفور التنازل عن دم ابنه بل وطالب بإطلاق سراح القاتل بأسرع وقت والذي قام «الأخير» بتسليم نفسه للجهات الأمنية فور وقوع الحادث نادماً على فعلته وفي أسوء ظروفه النفسية جراء الحادث.
«الجزيرة « من خلال الزميل عوض مانع القحطاني قام بزيارة والد القتيل سعيد يحيى ووالد الجاني إبراهيم محمد سواد الرفيدي القحطاني، قدم من خلالها تعازي «الجزيرة «. ويروي الزميل عوض قصة زيارته كالتالي «كانت المفاجأة عندما وجدنا والد القاتل ووالد القتيل جالسين مع بعضهما يستقبلون التعازي وتدور بينهم الكثير من الأحاديث الودية، حيث ظهرت عليهم آثار المصيبة دون أن نلحظ أن هناك خلاف بينهما، بل كنا في قمة ذهولنا حين علمنا بأن والد القتيل أقام العزاء واستقبال المعزين في وفاة ولده في منزل والد القاتل.
«الجزيرة» سألت والد القتيل عن الحادث وكيف تنازل فقال: هذا قدر الله كتبه علينا فالتزمنا الحكمة والعقل والصبر على الغضب والانتقام، وسلمت أمري لله وقررت العفو والتنازل عن قاتل ابني لوجه الله لا أريد مالاً ولا أبحث عن ملايين خلف دم ابني، بل طلبت العوض من الله والصبر على احتساب الأجر في مصيبتنا، لأنني أردت من هذا العفو أن تستمر علاقتنا مع أهل القاتل وهم جيران لنا وأقارب لأنه ليس لهم أي ذنب أو علاقة فيما حدث، ويضيف والد القتيل، تذكرت قبل أن أقدم تنازلي ملك الإنسانية خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز والذي عودنا دوماً على التنازل وعن العفو وفعل الخير والبحث عن الأجر دون النظر لمغريات الدنيا، وأنا هنا أناشد ملك الإنسانية أن يعفو عن القاتل في الحق العام بعد أن عفوت عن حقي الخاص وأن يأمر بإطلاق سراحه في هذا الشهر الكريم وليفرح بالعيد بين أسرته وأهله وزوجته، كما أناشد - والكلام - هنا لوالد القتيل أمير عسير بأن يساعدنا في فك أسر وقيد القاتل، مؤكدا بأن والدة القتيل هي الأخرى قد تنازلت عن دم ولدها لوجه الله.
أما والد الجاني إبراهيم بن سواد فقال، لقد فوجئت بأن سعيد بن يحيى والد القتيل قد تنازل عن ابني موسى لوجه الله رفض كل ما جئنا به من مال ، بل إن والد القتيل بكل معاني الشهامة والعفو والآخاء يسعى حالياً وأكثر منا في محاولة فك وإطلاق سراح ابني من السجن وهو موقف رجولي لن ننساه له مدى الحياة ، بل إن أمثاله قليل جداً في زمننا الحالي من يتنازل عن ابنه بهذه السرعة دون قيد أو شرط، ويضيف والد القاتل، بأن تنازله عن ابننا هي للمحبة التي بين العائلتين ومن الود والاحترام لمعاني الجيرة التي بيننا، بل قال والد القتيل لنا لحظة وقوع الحادث بأنه قد تنازل عن الميت وعن الحي لوجه الله، ولم ينس والد القاتل عن ذكر العلاقة التي كانت تربط بين أبنائي وأبناء الأخ سعيد، ولكن ما حصل هي من تدبير الله وهي مصيبة على العائلتين معاً ولكننا تجاوزنها بالحكمة والصبر.
أما والدة القتيل فقد قالت لـ(الجزيرة): بأنني احتسبت الأجر والثواب من الله في التنازل عن دم ابني، بل إنني اعتبرت ابني قد مات شهيداً أو في حادث سيارة، وطلبت والدة القتيل من خادم الحرمين بالشفاعة بإطلاق سراح القاتل في أسرع وقت وإعادته إلى والديه وزوجته التي هي الآن على وشك الولادة، بل إنني أعتبر القاتل ابناً لنا.
الزميل عوض القحطاني طلع من الزيارة مشيراً بأن أحوال والد القتيل تشكى إلى الله وهو مستأجر بيت ولديه ما يقارب من عشرة أبناء وبنات ولكنه فضل الأجر والثواب على الأموال.