من أسوأ ما يصاب به الإنسان آفة الرعب سواءً من الأشياء أو الأشخاص أو الأماكن؛ فالناس المُرعِبون تجدهم في الأساس غير منتجين بل إنهم مثيرون للإشاعات والأقاويل في مجتمعاتهم، وعندما ينتشر الرعب بين الناس ويتمكن منهم فهم بذلك يقضون على أنفسهم ويصبح مجتمعهم في عداد الأموات.
وكثيراً ما يأتي الخوف أو الرعب من عدم الثقة أو عدم تصديق الأشياء التي تقع أو التي سوف تقع؛ بل إن الناس يحرصون في كثير من الأحيان على تصديق الأخبار المشكوك في صحتها ولو كان مصدرها شخص واحد وفي المقابل تكذيب كثير من الأخبار التي قد تكون حقيقية وصحيحة وصادرة من جهات وأشخاص موثوقين ولكن بما أن الناس قد سمعوا بعض الإشاعات من جهات أخرى فهم لسبب ما يفضلونها ويميلون إلى تصديقها بل هناك ما هو أسوأ من ذلك فما إن يسمع أحدهم تكذيب بعض المصادر لخبر معين نشر من خلال وسيلة معينة فهو يسارع إلى اعتبار هذا التكذيب تأكيداً لما ورد في الخبر من تلك الجهة، فأصبحت كثير من الجهات في حيرة من أمرها فهم إن سكتوا على ما ينشر من أخبار كاذبة فهم يسمحون للبلبلة والإثارة بالانتشار من خلال أخبار غير صادقة وإن قاموا بتكذيب هذه الأخبار فالكثير يعتبر هذا التكذيب تأكيداً لتلك الأخبار.
وفي الآونة الأخيرة حدث الانهيار الكبير في السوق المالية الأمريكية وتبعتها الأسواق الأخرى في معظم أنحاء العالم ولم يشفع لتلك الأسواق خطط الإنقاذ المعلنة ولم يشفع لها التطمينات التي كانت تعلن من عدد من المسؤولين في كثير من تلك الدول غير أن الغريب ما حدث في سوقنا المالية فعلى الرغم من قيام بعض المسؤولين من التأكيد بعدم وجود أي ارتباط بين ما يحدث في الأنظمة المالية في أمريكا وأوروبا وبين اقتصادنا المحلي وعلى الرغم من تأكيداتهم بأن اقتصادنا آمن وأن وضعنا المالي ولله الحمد متميز وأنه لا يوجد أي رابط بين تلك الانهيارات في الأسواق المالية والعالمية وبين سوقنا المالي إلا أن ذلك لم يجد أذناً صاغية لدى كثير من أفراد المجتمع، ويؤكد ذلك أحد المسؤولين أن قضية الرعب والخوف تنتشر بين الناس بشكل سريع مستشهداً أن أحد التجار اتصل به بشأن الأزمة المالية مفيداً أن أحد أصدقائه ذهب إلى أحد البنوك ليأخذ مبلغاً من المال ولكن البنك رفض بحجة أنه لا يوجد أموال متوفرة في البنك وبعد الاتصال بالبنك اتضح عدم صحة ما ذكر مؤكداً أن السيولة المالية موجودة.
هذا المؤشر يعد مؤشراً خطيراً يجب أن ننظر له بعين الاهتمام والعناية والرعاية، حيث إن المصداقية هي رأسمال كثير من الأمور والثقة في ما يقدم من بيانات هي من الأسس التي تقوم عليها كثير من الأنظمة الاقتصادية وإذا لم يثق الناس في ما يقوله المسؤولون فإن هذا الأمر سيؤثر على كثير من الأمور وفي مقدمتها أمن واستقرار الوطن.
إن كثيراً من الأفراد يحرصون في كثير من الأحيان على تشجيع الناس على الخوف بل ويؤكدون عليهم أن بعض الأمور البعد عنها وتركها خير من القيام بها حرصاً على أن يكونوا في مأمن ومن خلال هذه الثقافة تربى كثير من الناس وأصبحت عقدة الخوف أحد أهم المبادئ التي يعيشون عليها ولا يكتفون بوجود هذا البلاء لديهم بل يقومون بنشره بين الناس مستشهدين بالعديد من الأمثلة.
وهناك فرق كبير بين الخوف والرعب وبين أهمية أخذ الحيطة والحذر والأخذ بالأسباب إلا أننا في الآونة الأخيرة أصبحنا نعيش في أزمة خوف واضحة تسيطر علينا في كثير من الأمور فنحن نشك في صحة كثير من المعلومات المنشورة ونشك في التقارير والبيانات والإحصاءات وهذا أمر خطير جداً يجب أن نعمل جاهدين على معالجته، وفي رأيي أن سبل العلاج يجب أن يأتي من الداخل في البداية أي أن نكون صادقين مع أنفسنا أولاً من خلال قيامنا بما يجب علينا ووفائنا بالوعود التي نقطعها على أنفسنا فإن أحسنا في هذا فإننا سنوفي مع الآخرين وبذلك يزيد مؤشر الثقة فيما بيننا وبين المسؤولين وعلى هذا الأساس يتم تصديق المعلومات التي تصدر من خلالهم ويطمئن الناس ويثقون في ما يصل إليهم من بيانات أو تقارير.
إن هاجس الخوف الذي يسيطر على كثير من الناس له أسبابه وما لم يتم معالجة هذه الأسباب فسيبقى القلق وتنتشر الإشاعة ونفقد الأمن.