أصبح الإرهاب الإلكتروني هاجساً يخيف العالم؛ نظراً لاتساع رقعته، ونطاقه، وصعوبة اكتشافه، وفداحة الأضرار الناجمة عنه، إذ تكمن خطورته في استخدام المواد المعلوماتية، والوسائل الإلكترونية، التي جلبتها حضارة التقنية في عصر المعلومات، مع سهولة استخدام هذه التقنية، وشدة أثرها. الأمر الذي يجعلنا أمام تحد كبير، بسبب تفاقم مخاطره بمرور الأيام على الأفراد، والمجتمعات، والدول؛ مما يتطلب الحيلولة دون حصول تلك المخاطر، عن طريق توعية الشباب، وحمايتهم من ويلات الانخراط في الجماعات الإرهابية، ونبذ التطرف، ومحاربته بشتى أشكاله، وتنمية روح الولاء الوطني لدى الفئات المستهدفة، والحفاظ على الوحدة الوطنية، والدفاع عنها.
قبل أيام، استعرض -معالي وزير الشئون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد- صالح آل الشيخ، في صحيفة الشرق “الأحد: 17-9-1433 هـ”، تفجير العليا عام 1417هـ، وظهور الخلايا السرية التي لم يكن أفرادها يستجيبون، وكيف حصلت أحداث الإرهاب في المملكة عندما رافقها احتلال العراق، فأصبحت هناك تهيئة نفسية للشباب؛ لمقاومة الاحتلال، واشتد المد الإرهابي التكفيري لعقول الشباب، وعندما لاحظت الوزارة ذلك، باشرت برامجها في اتجاهين, الأول: تمثل في برامج التحصين من خلال إرساء المفاهيم الصحيحة؛ للتعامل مع المجتمع، ومع المسلم، وغير المسلم، والتعامل مع ولاة الأمر، وفقه العبادة. والثاني: تمثل في البرامج الحوارية من خلال “حملة السكينة”، التي تولاها عدد من الدعاة النابهين، من ذوي قدرة على الحوار، فحاورت الحملة عبر الإنترنت آلاف من هؤلاء الشباب، وسجلت نجاحاً كبيراً بالنسبة لمن وقع في الإرهاب، فكان هذا الحوار، وهذه الحملة علاجية، واستعادت الوزارة أكثر من ألفين منهم.
كانت حملة السكينة وسيلة اتصال، والتقاء للفائدة، بعد أن فتحت باب الحوار، حين ازداد وجه الإرهاب قبحاً على الشبكة العنكبوتية، عن طريق استهداف أنظمة المعلومات، والاتصالات -بأنواعها-، واستخدام الحاسبات الآلية، وغيرها من الأجهزة التكنولوجية، كوسائل لتنفيذ العمليات الإرهابية. فقامت حملة السكينة في بلورة استراتيجياتها -العلمية والعملية-؛ للتصدي للفكر التكفيري، شارك فيها كوكبة دعاة، وطلبة علم مؤهلين، بالتنسيق مع جميع الجهات، ودون العمل في جزر معزولة؛ من أجل مواجهة تغيير أنماط التفكير الخاصة بأولئك المغرر بهم.
لا يمكن أن نكون معزولين عن التطورات التقنية المتسارعة، فالشبكة العنكبوتية ميدان لكل ممنوع، وآثارها السلبية تكاد تكون مدمرة.. ولذا فإن العمل على إيجاد أنظمة لضبط التعاملات الإلكترونية بشتى صورها؛ من أجل تحقيق الاستفادة من تلك التقنية -مطلب شرعي مهم-؛ لتحقيق الأمن الفكري، والذي يعتبر من أهم الحاجات الفطرية، التي لا يمكن أن يكون سلوك الإنسان سويّا بدونها، إذ إن جميع أنواع الأمن مرهونة الحصول بالأمن الفكري، -باعتباره- منظومة متناغمة الأجزاء.
سيصبح الإرهاب أكثر تعقيداً، وخطورة؛ نظراً للتطور الهائل في مجال تكنولوجيا المعلومات، والإنترنت. واستغلال تلك المنابر الإلكترونية، والتواصل مع أعوانهم، ومموليهم، ومؤيديهم، والمتعاطفين معهم، في محاولة لسد تجنيد إرهابيين جدد، هو مقصد من مقاصد الشريعة.. وهنا تكمن أهمية دعم الوعي الإلكتروني، واستخدام تلك الوسائل لمجابهتهم.
drsasq@gmail.com