جاء في تقرير لصندوق النقد الدولي نُشر يوم الثلاثاء الماضي، أن الحكومة السعودية تنفق أكثر مما ينبغي لها إذا كانت تريد الحفاظ على الثروة النفطية للبلاد للأجيال القادمة، وقال الصندوق في تقييم سنوي للاقتصاد السعودي: “بالرغم من أن الحكومة بنت خطوط حماية مالية كبيرة فإن الإنفاق يتجاوز المستوى الذي يتسق مع السحب العادل من الثروة النفطية بين الأجيال”.
أعترف أن من أكثر الأمور إثارة للقلق، الحديث عن مستقبل الثروة النفطية في بلادنا، وعن زمن ما بعد النفط، وهل لا زال في باطن الأرض ما يستحق أن يكون مصدر اطمئنان لمستقبل الأجيال القادمة؟، أم أن ذلك لا زال يدخل في الخير الذي نرجو الله عز وجل أن يزيده، ويكثر منه في بلادنا، لكن في نهاية الأمر، وبكل عقلانية مجردة، لابد من نهاية لهذه الثروة الطبيعية، فالدراسات تشير إلى أن الثروة النفطية في العالم إلى نضوب، وهو ما يثير كثيراً من الأسئلة عن مرحلة ما بعد النفط، وهل أعددنا البدائل التي ستوفر الثروة والعمل والرفاهية لسكان هذه الأرض القاسية، وهل سيصب بالفعل هذا الإنفاق المالي الكبير، الذي تحدث عنه صندوق النقد الدولي، في إيجاد الوسائل الاقتصادية لمرحلة ما بعد النفط، أم أن أغلب الإنفاق لايزال يذهب في الاستهلاك اليومي، وفي إخماد رغبات الناس البدائية.
يجب أن نواجه الأمر الواقع، نحن أمة مثقلة بتقاليد ليس لها علاقة بقوى الإنتاج والعمل، ساهم الاعتماد الكلي على النفط في استمرارها ونقلها للأجيال التالية، ولا زالت تلك التقاليد تشكل عائقاً أمام كسر حدة التخلف الذي نعيش فيه، فلغة الخطاب الإعلامي التي تبث الاطمئنان، وتبشر بالازدهار، لن تنفع الأجيال القادمة، فهي بمثابة المخدر الذي سينتهي مفعوله في زمن نضوب الثروة النفطية، وبعده سنظهر في مشاهد مؤثرة، قصور شاهقة ومبان تطول السحب، تعيش فيها عشائر من القرون الوسطى، كان قدر الله أن يكتشفوا النفط مبكراً، لكنهم أضاعوه في إشباع رغباتهم الحسية.
تجربة أرامكو تحكي قصة نجاح، وتثبت أننا قادرون على الإنجاز، وقد كان بالفعل إنجازها في ذلك الوقت أمراً ملحاً، وذلك من أجل استخراج النفط، وبيعه خاماً، واستهلاك ثمنه في مزيد من الرفاهية، لكن ذلك حتماً سيفقد تأثيره في يوم من الأيام ما لم نستغل ثرواته من أجل تكوين مئات بل آلاف الشركات والمصانع التي قد تكون البديل الناجح عن النفط في المستقبل، وإذا لم نفعل ذلك سريعاً سندخل مرحلة التيه في جزيرة العرب، وسنقف يوماً ما عند الأطلال، نقول الشعر كما في سالف الأزمان، بعد سنوات القحط والجدب، وهجرة السكان أراضيهم إلى الشمال، تاركين مبانيهم وآثارهم للريح والتصحر، لكن الفارق بين ذلك الزمن والحاضر، أن الزمن تغير، ولم تعد الحدود الشمالية مفتوحة للهجرة إلى المراعي والمياه، وسيكون قدرنا أن نموت عطشاً في صحراء الجفاف.
ربما يعني ما كتبته أعلاه أنني أعيش في فوبيا نضوب النفط، وقد يكون ذلك صحيحاً، وقد قيل إن الفوبيا السعودية تنحصر في نضوب النفط، وحصول المرأة على حق قيادة السيارة، وفي هيئة الأمر بالمعروف، ويعني ذلك أننا أيضاً غير مؤهلين في أن تكون السياحة وفتح الشواطئ للاستثمار السياحي أحد البدائل في المستقبل، كما هو الحال في دبي وأبوظبي والدوحة، الذين أيقنوا مبكراً أن بديل النفط حسب مواردهم البشرية هو السياحة بمختلف مفاهيمها العصرية، بينما لم ننفض الغبار إلى الآن عن ذلك الساكن القديم في عقولنا، ولا زلنا نعيش وسط عوائق وغرائز تقليدية عشائرية ودينية محافظة جداً، وكلاهما يقفان ضد التحول من مجرد عشيرة متزمتة تعيش على موارد النفط، إلى مجتمع مدني صناعي يتنفس الإبداع، ويستطيع الإنتاج، وتكوين الثروات من مصادر أخرى.