الأمن الاجتماعي أساس تماسك الدول، ومن دون الشعور بهذا الأمان لن يتحقق استقرار كامل ولن تتحقق المواطنة الكاملة بكل معانيها وواجباتها ونتائجها، ولأننا في المملكة وطن واحد وإنتماء واحد وتجمعنا قيادة واحدة، هي منا ومن نسيجنا الاجتماعي والثقافي، يجب أن يعاقب القانون بصرامة كل من يحاول الانتقاص من مواطنة أي فرد ينتمي لهذه الدولة ويحمل جنسيتها.
من المؤلم والمخجل أن يتحدث أشخاص في مواقع التواصل الاجتماعي بأسلوب ولغة تنضح بالتفرقة العنصرية، ومليئة بألفاظ تطعن بمواطنة الأفراد وأسرهم وفيها انتقاص وازدراء، ورأينا هذا في أسوأ أشكاله عندما شاركت فتيات سعوديات واعدات في أولمبياد لندن، وعارض هذه المشاركة البعض، ولم يكتف هؤلاء الرافضون بالتعبير عن رأيهم حيال المشاركة بل أطلقوا أوصافاً عنصرية تنتقص من مواطنة اللاعبات، وتحمل ما أعتبره امتداداً لأفكار جاهلية تقسم المجتمع وتغرس بذور الفتنة، وتفرق بين مواطن وآخر، ويعلم هؤلاء للأسف أنه لا توجد نصوص قانونية صريحة تعاقب من يمارس العنصرية أو يروج لها أو ينتقص من مواطنة الآخرين.
أستغرب ممن يقولون إنهم مع أمن البلاد وضد أي عمل يمس ثوابت الدولة، وهم يستخدمون ألفاظاً عنصرية نتنة، تؤثر نفسياً واجتماعياً في مكونات أصيلة لها كامل الحقوق ولا تختلف عن أحد من أولئك المتفاخرين بالقبائل والأنساب وربما ما يقوله هؤلاء الجهلة باسم الدفاع عن الوطن يصبح سبباً رئيساً في اختلال الأمن الاجتماعي ويقود إلى ما لا يحمد عقباه، نتيجة الشعور بأنهم لا يتمتعون بالمواطنة الكاملة، رغم أن هذا ليس منهج الدولة التي لا تفرق بين أحد من مواطنيها ولا تقبل بأن ينتقص أياً كان من مواطنة أحد.
سلوك الجهلة في التقسيم والتصنيف لم يسلم منه بعض الأكاديميين ومن يحسبون على المثقفين، وامتد للأسف الشديد إلى بعض من يقدمون أنفسهم دعاة وعلماء شريعة إسلامية، وهذا يؤكد أن أمراضاً اجتماعية يعاني منها البعض على اختلاف درجاتهم العلمية وانتماءاتهم المناطقية، ولها أساس ثقافي يجب أن يجتث من جذوره.
لا ديننا ولا تاريخنا ولا حضارياً يشرّع الممارسات العنصرية، ومن يؤمن بالوطن الواحد الموحد هو المواطن الصادق المخلص، ومن يحاول شق الوحدة وتصنيف المواطنين، وفصلهم عن جسد الدولة يجب أن يعاقب بسيف الدولة الصارم، القانون والنظام الذي يحمي الحقوق ويحافظ على أمن البلاد.
أما السكوت والتغاضي واعتبار ما يصدر عن البعض حوادث فردية فهذا يزيد المشكلة، ويجعلها أكثر خطورة، ويجعل العلاج مستقبلاً أكثر صعوبة، ولعل الوقت الراهن مناسب للتصدي لهذه السخافات، فالوطن درعه الواقي هو الوحدة الوطنية.
أستغرب من غياب الحوار الوطني في هذا الوقت، ومقارنة بالجموح الذي شهدناه في الفترة الزمنية الأولى بعد تأسس مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني يمكننا أن نصف دوره في هذه الفترة بالتراخي والغياب غير المبرر، فالحوار الوطني يحمي المواطنة ويعزز الانتماء، وبالمشاركة والحوار يشعر كل شخص منا بالمسؤولية الملقاة على عاتقه، فوطننا كبير بتاريخه وثقافته وتأثيره السياسي والاقتصادي، ويجب ألا نسمح بتعكير صفو الأمن الاجتماعي وبالتالي تعطيل مسيرة وطن يسير إلى الأمام بخطوات واثقة.
Towa55@hotmail.com@altowayan