امرأة عربية لطمها رجل رومي في أحد شوارع عموريه فصرخت (وامعتصماه)، انتقل صداها بين الجبال وحملها الأثير من أرض الأشجار عبر السهول والتلال، ورددها أصحاب الحناجر المسافرة عبر الصحاري الشاسعة، فوصلت إلى أسماع الخليفة المعتصم واضحة كالنهار، ففز من كرسيه المطرز بالعاج والمرجان، وأقسم أن يلبي نداء المرأة بلا خذلان، فجهز جيشا عرمرم فتح به مدينة عموريه بتركيا. واليوم أطفال تذبح، وشيوخ تقطع أوصالهم، وأعراض تنتهك، نشاهد صورهم على الشاشات ويتم تداولها عبر اليوتيوب والجوالات، وتعيد نشرها الفضائيات، ويكتب عنها الصحفيون والصحفيات، واجتمع لها مندوبو الدول في الأمم المتحدة فأبت الصين ورفضت روسيا قرار الإدانة، واستمر المجرم في الاستباحة، واقتصر قرار الأمم المتحدة على إرسال فريق من المراقبين إلى أرض المجازر، وتواجد المراقبون بمكان ليس ببعيد، من عملية الدفن الجماعي، للجثث في المقابر، وشهد المراقبون شاهد عيان، أن عدد القتلى في المذبحة وصل إلى مائه قتيل، عشرون منهم كانوا فقط بسبب القصف المدفعي، والباقي تم إعدامهم رميا برصاص السلاح الفردي أغلبها في الرأس، وأربعون طفلا تم ذبحهم ذبحا وثلاثون امرأه تم تقطيعهم إربا، وبالتزامن مع المذبحة.

الأقطار في زمن الخليفة المعتصم، امتدت على أرض مفتوحة، فلم يكن يفصلها خطوط سياسية واضحة المعالم، بينما أقطار اليوم، تنفصل عن بعضها بمنظومة مبتكرة من الحدود، بسببها تشكلت هوية الشعوب ومنافذ الدخول والخروج، وسوريا عبارة عن نسيج اجتماعي يتكون من عدة طوائف، وعندما طغت إحداهن على الأخرى، تعذر الاستجابة إلى صرخة الاستغاثة كما فعل المعتصم عندما زحف بجيشه الجرار إلى عموريه، فسوريا اليوم، محاطة بدول من جميع الجهات عدا الجانب الغربي، مفتوحة على البحر الأبيض المتوسط.

واليوم، شعوب العالم، على الرغم من أنها، أصبحت محصورة داخل الحدود الدولية المستحدثة، لكنها، أصبحت تملك حرية التواصل عبر الشبكات الفضائية والعنكبوتية، جعلت صرخات الاستغاثة تصل الأسماع فورا، عبر الإعلام الفضائي، والتراسل الفوري للصور والمعلومات. ولم يعد من الممكن لبشار الأسد إخفاء مذبحة الحولة الطائفية كما أخفى أبوه مذبحة حماة السنية، وسياسة الإنكار والتدليس التي ينتهجها النظام السوري مفضوحة كما فضح الرئيس بشار الأسد، نفسه، أثناء مقابلته التلفزيونية مع الصحفية المشهورة، باربارا والتر، عندما أنكر أنه أصدر أوامره للجيش بقتل المتظاهرين، استحق، لاحقا، صيغة التهكم من متحدثة البيت الأبيض الأمريكي على كلامه في المقابلة، بأنه (..إنسان تافه يستخف بعقول الآخرين.. وإن كان فعلا لم يصدر الأوامر للجيش، فهو عندئذ مجرد دمية في يد قيادة الجيش السوري..).

صور مجازر الشعب السوري، تظهر، يوميا، في الفضاء الإعلامي، فورا بعيد زمن حدوثها، ومختلف أقطار المجتمع الدولي، لا يمكنها الصمت وهي تشاهد سيل الأحداث على شاشات الفضائيات، فتبادر إلى الشجب والاستنكار، وشهادة العيان لبعثة مراقبي الأمم المتحدة على الأرض، تؤكد أن مذبحة الحولة من فعل جيش نظام الأسد، وتعنت الصين والرفض الروسي ووقوفه ضد صدور أي قرار إدانة للنظام السوري، من مجلس الأمن.. جميعها دلائل.. على أن تسليح المعارضة، هو الحل الأوحد لحماية الشعب السوري من بطش نظام بشار الأسد وطائفته.