تعيش البلاد الإسلامية خلال العقد الأخير انطلاقة وقفية غير مسبوقة في المجتمع من خلال الوعي لدى الأفراد الذي جعل رجال الأعمال وغيرهم يتسابقون في الأوقاف ،وموضوع إدارة وتنمية وتطوير الوقف من الموضوعات التي يزخر الفقه والثقافة الإسلامية بهما ، فلا تكاد تقرأ كتاباً في الفقه إلا وتجد الوقف باباً من أبوابه ولكن مع سعة انتشار الأوقاف والنظريات الحديثة في الإدارة تبقى الحاجة ملحة للحديث عن إدارة الأوقاف وتطويرها ، فحسن إدارة و استثمار أموال الوقف يساهم في الحفاظ عليها حتى لا تأكلها النفقات والمصاريف، كما تساهم في تحقيق أهداف الوقف الاجتماعية والاقتصادية والتعليمية، والتنموية.
كما أن الوقف الذي يراد له الاستمرار ومن مقاصده التأبيد لا يمكن أن يتحقق له ذلك إلاّ من خلال الاستثمارات الناجحة، وإلاّ فالمصاريف والنفقات والصيانة قد تقضي على أصل الوقف إن لم تعالج عن طريق الاستثمار المجدي النافع. لذلك ينبغي أن تهتم إدارة الوقف (أو الناظر) بهذا الجانب اهتمامًا كبيرًا وتخصص جزءًا جيدًا من ريع الوقف للاستثمار إضافة إلى استثمار بقية أموالها السائلة.
يقول شكيب أرسلان: «إن الإفرنج عندما غلبوا على بلاد المسلمين، استولوا على كثير من الأوقاف ووهبوها إلى الكنائس، وإلى جمعيات المبشرين، وإلى الرهبان، لإنهم لا يكرهون في الدنيا شيئاً كرههم للأوقاف الإسلامية، ولا يخافون في مستعمراتهم من شيء كمخافتهم منها؛ لأنهم يعتقدون أن المسلمين إذا أحسنوا إدارتها، وضبط حاصلاتها، كانت لهم منبع إمداد عظيم في أمورهم ، فلذلك تراهم يسعون بقدر طاقتهم في محو رسومها.
والشاهد هو أن حسن الإدارة له دور بإذن الله في الحفاظ على الأوقاف من جهة ، وفي تنميتها وتطويرها من جهة أخرى ، كما أن المتأمل في الأوقاف في العصر الحديث يلمس الحاجة الملحة للأوقاف في تطوير إدارتها من خلال تطبيق النظريات الحديثة في الإدارة على إدارة الأوقاف والاستفادة من الصيغ الاستثمارية المتاحة والمناسبة لتنمية أموال الأوقاف وإتباع أساليب الرقابة والمتابعة الحديثة في الأوقاف والتطوير في الجوانب القانونية للأوقاف .
ولاشك أن التدريب القبلي والتدريب على رأس العمل هو سر نجاح العمل المؤسسي ومنه الأوقاف ، وإذا كان عمر رضي الله عنه ينهى الباعة الذين لايتفقهون بأحكام البيع والشراء من دخول الأسواق ، فإن التصدر في إدارة الأوقاف من قبل بعض النظار والمسؤلين عن الأوقاف تستلزم وقفة في إلزامهم بالتفقه بأحكام الوقف ,لذا فإن الدورات التدريبية لها أكبر الأثر في نماء وتطوير الأوقاف ، سواء الدورات المخصصة للنظار ومدراء الأوقاف ، أو الدورات للجهات القضائية والرقابية على الأوقاف,لذا أوصي بأن يتم إقامة دورات وملتقيات ونشرات تثقيفية للنظّار على الأوقاف ، وكذلك منتديات حاسوبية يستفيد كل عضو فيها من الآخر.وكذلك تشجيع مراكز الإستشارات والدراسات ومراكز إدارة الأوقاف الخاصة وتسهيل مهامها، ودعم أنشطتها التأسيسية. وطمأنة الواقفين والمساهمين في المشروعات الوقفية إلى شرعية وسلامة تعامل الهيئات القائمة على الوقف وكفاءة القائمين عليها، مما يدفع إلى تعزيز الثقة في تلك الهيئات والمؤسسات الوقفية ويزيد من إقبال الموسرين على التعامل معها.
وتسهيل مشاركة عامة الناس في تكوين أوقاف جديدة أياً كان قدرها وذلك بتيسير الإجراءات الإدارية الخاصة بذلك وكذلك توسيع مفهوم الوقف لدى عامة الناس لكي لا ينحصر في بعض الأوجه التقليدية ، وبيان ما قدمه الوقف قديماً ، وما يمكن أن يقدمه مستقبلاً في كافة مجالات الحياة الاجتماعية للمسلمين في أمور دينهم ودنياهم.
علي بن عبدالله العثمان
المشرف على مركز ثبات للإستشارات الوقفية بالرياض
Alothman2@gmail.com