لم يبالغ وزير الداخلية - الأمير - أحمد بن عبد العزيز، عندما قال:” إن مثير الفتنة نمر النمر، إنسان مشكوك في مستواه العلمي، ومشكوك في عقليته، وأن الطرح الذي يطرحه، ويتكلم فيه بهذه الصفة، يدل على نقص في العقل، أو اختلال “، ثم عدّد - بعد ذلك - الصنائع الجميلة التي
أسدتها الدولة إليه، فلم تجد منه - مع الأسف - إلا جحودا للنعمة، ونكرانا للفضل. وتلك صفات لا يتصف بها العقلاء، إذ من الصعوبة بمكان أن يكون ناكر الجميل سويا في نفسه ومستقيما في طبائعه. بل هي من الصفات الذميمة التي نهى الشارع الحكيم عنها؛ لاتصافها بأنانية في النفس، وسوء في الخلق، وفساد في الرأي، وقلة في المروءة. وهي نتاج طبعي لغياب الوعي الثقافي، والخواء الفكري.
إن كان الأمر في علاقاتنا الإنسانية يصل إلى هذا المستوى، فهي إمارة على خسّة النفس، وحقارتها. وما أصعبه من موقف، حين تُطعن من حيث تأمن. فمنكر الجميل، وجاحد النعمة، لا مكان له بين القلوب الصافية، فهو الذي باع. فما بالك عندما يتمرد الإنسان على وطنه، ويكفر معروفه، وينكر جميله؛ حتى يصل الأمر به إلى الجفاء، بعد أن اختلطت عليه الأمور، وقلب الحقائق، وعكس الوقائع؛ من أجل أن تتجذر العداوات بين أفراد المجتمع، عندما تُشحن النفوس، وتسوء الظنون، وتتقاذف التهم!.
من يستحق الإحسان لا يُنكر الإحسان، أو يكفر بالنعمة، بل لا يليق بالعاقل أن يصدر منه ذلك. فذكر الجميل، وشكر أهل المعروف، ومكافأتهم ولو بالدعاء، هو خلق يصاحب النفوس الطيبة، والقلوب الخيرة. وهو الموافق لقول الرسول - صلى الله عليه وسلم - حين قال:” من أُعطي عطاءً فوجد فليجز به، ومن لم يجد فليثن، فإن من أثنى فقد شكر، ومن كتم فقد كفر، ومن تحلى بما لم يعطه، كان كلابس ثوبي زور “. وعكس ذلك، قلة وفاء. ولا أبالغ إن قلت: إنها من أسباب زوال النعم بعد حصولها.
أهم ما يمكن إضافته فيما تبقى من مساحة، أن الجحود نقيض المعرفة، وترك المكافأة من التطفيف، كما قال وهب بن منبه - رحمه الله -. وهو يتنافى مع طبائع النفوس السوية، التي طبعت على حب من أحسن إليها، والتوقف إزاء من أساء إليها. وعليه، فإن حفظ الجميل، وعدم إنكاره، وشكر النعمة، وعدم كفرانها، يمثل شريان العلاقة النابض بالحب لتلك العلاقة المقدسة بين كافة الأطراف. فما بالك عندما يكون أحد طرفي تلك المعادلة، هو الوطن، وخيره، وما قدمه لهم، ثم يقلبون له - بعد ذلك - ظهر المجن؛ لمبادئ ساقطة، وآراء فاسدة!.
drsasq@gmail.com