في جزيرة العرب بنى إبراهيم عليه السلام البيت الحرام، ومن الجزيرة العربية انبثقت الثقافة العربية والعادات العربية الحميدة وولدت وترعرعت اللغة العربية، وفي مهد الجزيرة أشرقت رسالة الإسلام على الأرض، ومن خير رجالاتها كان خاتم النبيين والمرسلين محمد بن عبدالله عليه أفضل الصلاة
والسلام، ومن ربوعها انطلقت قوافل السلام لتنشر الإسلام في أنحاء المعمورة، وظلت الجزيرة-- معقل الإسلام والعروبة حتى جاءت دعوة الإمام المجدد محمد بن عبدالوهاب رحمه الله، التي تبنتها ورعتها الدولة السعودية المباركة بقيادة الإمام محمد بن سعود رحمه الله فانطلق لواء التجديد، ثم جاء الملك عبدالعزيز طيب الله ثراه ليعيد لهذه الجزيرة ريادتها وقيادتها التاريخية للأمة العربية والإسلامية، وخلفه أبناؤه القادة فأصلوا مبدأ الريادة والقيادة على المستويين العربي والعالمي في جميع المجالات الدينية والثقافية والاجتماعية والسياسية.
نعم هذا هو قدَرُنا في جزيرة العرب أن شرفنا الله بأن نكون في الصدارة عطفا على تاريخنا وموقعنا الثقافي والاستراتيجي، في موقع يراه الآخرون بأنه تجسيد لأنموذجٍ حضاريٍ أصيل، ودوماً ينتظر العالم الإسلامي بشكل خاص منّا إعادة ما فقد منه، و حلولا لمشكلاته، ومنارة يقتفي أثرها، فقد اعتاد أن تكون له هذه الجزيرة الملاذ والملتجأ بعد الله.
هذا قدَرُنا، أن نكون دولة قيادية تتجاوز مسئولياتها حدودها الجغرافية والسياسية والاقتصادية، وأن نكون مجتمعا ينظر العالم كله نحوه مقتديا ومتعلماً ومتفحصاً لأننا سنظل في نظر الجميع لنا دور القيادة، ويكثر العتب علينا في حال التقصير فنحن أصحاب الريادة.
قدَرُنا أن يكون لزاماً علينا أن نسهم في الارتقاء بمستوى الحياة للأفراد والمجتمعات والدول والإنسانية جمعاء، وأن نبادر في إيجاد حلول لقضايا العالم، وأن نتكلم دائما بلسان غيرنا رعاية أو نيابة، وأن نُفتقد إذا غبنا، ووتتجه الأنظار نحونا إذا حضرنا، ويُنتظر منا الكثير والأكثر.َ
ومادمنا نحتضن الحرمين الشريفين، ونستلهم سيرة الآباء والأجداد، ونرفع راية التوحيد، فهذا قدَرُنا.. شئنا أم أبينا، سخطنا أم رضينا، سرنا أم توقفنا، تقدمنا أم تأخرنا فهذا قدرنا، سوف يدفعنا العالم للحديث عندما نصمت، وللمسير عندما نتوقف، وللتقدم عندما نتأخر، فهذا موقعنا، وسيعتبر الآخرون حسناتنا واجبات، وتضحياتنا حقوق، ونوافلنا فرائض، وإقدامنا مسؤولية، بل سوف تكون صغائرنا كبائر، ونواقصنا عيوب، لكننا سوف نكون دائماً في المقدمة فهذا هو قدَرُنا.
قدَرُنا.. هو ما دعا خادم الحرمين الشريفين إلى دعوة إلى اجتماع قادة العالم الإسلامي في مكة المكرمة لمناقشة قضايا المسلمين ومشكلاتهم في كل مكان والعمل الجاد إلى إيجاد حلول لها، هذه الدعوة التي تجسد مبدأ المسؤولية العظمى والأمانة الكبرى التي تترجمها مبادرات قادة هذه البلاد منذ عهد المغفور له الملك عبدالعزيز في الإسهام الفاعل في المحافظة على وحدة الصف الإسلامي والسعي إلى الرقي بالأمة الإسلامية إلى سابق مجدها وعزّها.
قدرنا.. هو ما جعل المملكة العربية السعودية دوماً في قلب الأحداث نصرة لإشقائنا وحرصاً على وحدة الصف، وسعيا إلى دفع الضرر، وحماية الأرض والوطن، فنحن في فلسطين، ونحن في اليمن، ونحن في سوريا، ونحن في بورما، ونحن في كل قطر أو بقعة من العالم يمكن أن نقدم فيها خدمة للأمة العربية والإسلامية وخدمة للإنسانية جمعاء.
قدرنا.. هو ما جعل الراية الخضراء شعاراً عالمياً قبل أن يكون محلياً ترتفع هذه الراية يوم يعتز الإسلام ويوم يشعر المسلمون في أي قطر من أقطار العالم بالأخوة والمناصرة من إخوانهم في هذه البلاد المباركة يعبرون فيها عن وحدة الأمة الإسلامية ويعتبرون أن هذه الراية هي رايتهم الإسلامية والعربية في المقام الأول.
إننا لكي نكون على مستوى المسؤولية التي شرفنا الله بها، والتي حرص قادة هذه البلاد حفظهم الله تجسيدها في التعاملات المحلية والعالمية فإننا مطالبون بأن تعي مؤسساتنا التربوية تلك المكانة فتحرص على نشأة أجيال يمتلكون نواصي العلم والخبرة والمهارة، ويؤثرون في مسيرة التنمية المحلية والعالمية، ويمثلون دور بلادهم في القيادة والريادة، وأن تكون رائدة في صناعة الفكر والإبداع، وفي استقطاب العقول المبدعة وفي احتضان الافكار الرائدة ورعايتها وتطويرها.
وأن تدرك مؤسساتنا الإعلامية والتثقيفية قيمة وعالمية الكلمة التي نقولها أو نتبناها فتراعي الأبعاد العالمية والأدوار الريادية والمسؤوليات الثقافية في كل برامجها وقنواتها ومطبوعاتها، وتحرص على حضور إعلامي مميز على كل المستويات يظهر الحقائق ويدحض الشبه والافتراءات ويبرز ما تحمله هذه الديار من خير وصلاح للإنسانية جمعاء.
وأن تستشعر مؤسساتنا الخدمية المسؤولية المحلية والعالمية فتبني خططها وبرامجها وفق متطلبات المجتمع المحلي والمجتمع العالمي، والدور القيادي الريادي للمملكة العربية السعودية فنحن دوماً شركاء فاعلون في الأحداث العالمية ذات الطبيعة الإنسانية الخيرية.
وأخيراً.. فإن قدَرَنا يحتم على أفرادنا أن يدركوا أن شرف الانتماء لهذه البلاد المباركة ولأرض النبوة والطهر له تبعات تتمثل في حسن التمثيل ومسؤولية السلوك والكلمة، ورعاية المحتاج، ونصرة المظلوم، والمبادرة إلى الإصلاح، وقيادة الآخرين لكل خير، فنحن كنّا وما زلنا وسوف نظل بإذن الله أحفاد النبي الكريم وخاتم المرسلين محمد -صلى الله عليه وسلم- وخلفاءه الراشدين وصحبه الكرام.