أماندا باول:
المجتمع الدولي الآن عالق بين خيارين أحلاهما مر فيما يتعلق بإيران. فمن ناحية فإن إيران النووية تمثل تهديداً كبيراً للمنطقة وما وراءها، بما في ذلك للمصالح الغربية والأمريكية عبر كل الشرق الأوسط، ومن ناحية أخرى فإن ضربة عسكرية على إيران يمكن أن يكون لها تداعيات كارثية على المنطقة بلا ضمانات للنجاح، بل إنها يمكن أن تدفع إيران إلى تسريع تطويرها لقدراتها النووية وليس العكس. مع مرور الوقت بدون أن تظهر إيران مؤشراً للاستسلام، فإن الصبر بدأ ينفد، والشيء نفسه يحدث في إسرائيل، فعلى مر الأسابيع الماضية أوضحت التصريحات القادمة من القدس ازدياد عدد المسئولين الإسرائيليين الكبار الذين يبدو أنهم يدفعون باتجاه الإجراء العسكري، بمن في ذلك رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه إيهود باراك، اللذين حذرا أن وقت الدبلوماسية والعقوبات الاقتصادية بدأ ينفد.
إيران تلعب دوراً مسموماً متزايداً في محيطها، بما في ذلك تغلغها في الصراع السوري، والقتال ضد الغرب بدعمها للرئيس السوري بشار الأسد، واندلاع حرب أخرى في المنطقة سوف يكون كارثيًا. ولا زلت أشك أن إسرائيل سوف تتخذ إجراءً أحادياً ضد إيران، فهي بحاجة إلى واشنطن إلى جوارها، وبعد العراق وأفغانستان، فإن آخر شيء تحتاجه واشنطن هو مستنقع عسكري آخر في الشرق الأوسط. دعونا نتحدث عن تداعيات حرب في المنطقة ضد إيران، وقياس الخسائر الناجمة عن ذلك، خلاف الخسائر البشرية التي لا تقدر. إلى جانب حظر النفط الإيراني وعدم وصوله إلى الأسواق العالمية فهناك مضيق هرمز قبالة السواحل الإيرانية، الذي يمر منه ما يقرب من20% من إجمالي إنتاج النفط العالمي بصورة يومية. وفي أفضل السيناريوهات، فإن الحرب يمكن أن تعطل ذلك، وفي أسوأ السيناريوهات، إذا ما تعرض المضيق لتهديد اندلاع حرب بحرية أو ضربة بالصواريخ، فإن الأثر على أسعار النفط العالمية سوف يكون كارثياً ويمكن أن يقود إلى انهيار اقتصادي عالمي. ثانيًا، بالوضع في الاعتبار أن إيران من المؤكد أنها سوف ترد الضربة، باستخدام عملائها المختلفين عبر المنطقة، فإن جيران إيران ربما يكونون أول من يتأثر، فأذربيجان يمكن أن تجد نفسها في موقف مخترق للغاية. بعيداً عن احتمالية تدفق اللاجئين (فإيران تأوي ما يقرب من 30 مليون من العرقية الأذربيجانية)، هناك خطر انتقام طهران من أهداف داخل أذربيجان، مثل السفارات الأمريكية والإسرائيلية كبداية. فالعلاقات الحالية بين باكو وطهران ليست على أفضل ما يرام، وملالي إيران لم يرضوا في يوم من الأيام عن علاقات أذربيجان الوثيقة بإسرائيل والولايات المتحدة. من المتوقع أن المجتمع العالمي الآن يأمل أن تؤدي الجولة الأخيرة من العقوبات بقيادة الولايات المتحدة إلى كسر ظهر القيادة الإيرانية، فقد مثل الأول من يوليو بداية الحظر الأوروبي على شراء النفط الإيراني، كما أوقفت الشركات الأوروبية التي تقوم بالتأمين على معظم ناقلات النفط العالمية تأمين السفن التي تحمل النفط الإيراني، وطبقاً لتقارير، فإن العقوبات تكلف إيران، ثالث أكبر منتج للنفط في منظمة أوبك، 133 مليون دولار يوميًا، وسنوياً فإن ذلك يمكن أن يكلف إيران ما يقرب من 48 مليارا من عائداتها، أو ما يساوي 10% من اقتصادها.
وقد سبقت تلك العقوبات إجراءات بنكية أخرى من المؤسسات الدولية، مثل جمعية الاتصالات المالية العالمية بين البنوك (سويفت) التي قامت بطرد عدد من المؤسسات المالية الإيرانية، بما في ذلك بنكها المركزي، مما جعل من شبه المستحيل عليها أن تجري أية إجراءات بنكية دولية.
لذا حاولت القيادة الإيرانية تعويض التدني الاقتصادي، في الوقت الذي تعاني فيه البلاد من تضخم متزايد، وعملة تضعف يوما بعد يوم ونسب بطالة مرتفعة. وكانت خطوتها الأولى هو إلغاء الإعانات الحكومية، بما في ذلك المساعدات المالية التي عادة ما كانت تعطيها للمتزوجين الجدد، أو للحج للأماكن المقدسة في مكة والمدينة، وقامت برفع أسعار الغذاء. وكما هو متوقع فإن تلك الخطوة قوبلت باستياء من المواطن الإيراني العادي، فقد ارتفعت أسعار الكثير من السلع الغذائية الأساسية إلى عنان السماء، بما في ذلك السكر والفواكه والدجاج. كما ارتفع أيضاً سعر اللحم إلى درجة لم تعد الكثير من العائلات تملك فيها أن تأكله إلا في المناسبات الخاصة.
وبالتبعية فإن كثيرين خرجوا إلى الشوارع في تظاهرات، وبلا شك أن المجتمع الدولي يأمل أن يتزايد الاستياء الشعبي إلى درجة إجبار القيادة الإيرانية على تغيير سياستها، أو حتى إسقاطها، ولكن ذلك يبدو حتى الآن احتمالاً بعيدًا، ففي الماضي ألقت القيادة الإيرانية بلائمة متاعبها الاقتصادية على الغرب، وبلا شك أنها سوف تحاول تكرار التكتيك ذاته هذه المرة أيضًا، باعتبار أن الكثيرين من الإيرانيين يستمرون في دعم البرنامج النووي الإيراني. وبكل صدق لا يعلم أحد ماذا يجب أن يتم مع إيران، لا أحد يستطيع أن يتنبأ بدقة بنتيجة الفعل أو عدم الفعل، بل إنه حتى بعد المناقشات الأخيرة بين الزعماء الأمريكيين والإسرائيليين، لا تبدو الحرب حتى الآن في الأفق، ولكن مع استمرار إيران في التخندق حول ذاتها وبرنامجها، وتشككها في محاوريها واستمرارها في القلق المرضي بأمنها، فإن الغرب سيظل يصعد في العقوبات، لذا فإننا نزحف ببطء الآن نحو الإجراء العسكري، وهذا بالفعل تفكير مخيف للغاية.
* (توداي زمان) التركية