لقد كان يعظّم هذه العشر، ويجتهد فيها اجتهادًا عظيماً، يفعل ذلك وقد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخّر، فما بالك بنا نحن المفرّطين، فنحن أحرى أن نتأسى به فنعرف لهذه الأيام فضلها، ونجتهد فيها؛ لعل الله أن يغمرنا برحمته، ويدركنا بعفوه، وتكون سببًا لسعادتنا في الدنيا والآخرة.
ففي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها: قالت: “كان النبي يخلط العشرين بصلاة ونوم، فإذا كان العشر شمَّر وشدَّ المئزر”.
وروى الإمام مسلم عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: “كان رسول الله يجتهد في العشر الأواخر، ما لا يجتهد في غيره”.
فهذه الأحاديث دليل قاطع على فضيلة العشر الأواخر من رمضان، وبيان لحرص النبي على اغتنامها والاجتهاد فيها بأنواع الطاعات؛ فينبغي لك - أيها المسلم - أن تُهيئ نفسك في هذه الأيام وتفرغها، وتترك الاشتغال بالدنيا، وتجتهد فيها بأنواع العبادة من صلاة وذكر وصدقة، وصلة للرحم وإحسان إلى الآخرين من جيران وأصدقاء وزملاء.. فإنها أيام معدودة، ما أسرع انقضائها، وذهابها، وغداً يُختم على عملك فيها، وأنت لا تدري هل تدرك هذه العشر مرة أخرى، أم يحول بينك وبينها الأجل، ولا تدري هل ستكمل هذه العشر، وتُوفَّق فيها.. فيا أخي المسلم عليك، بالاجتهاد فيها والحرص على اغتنامها.
تأملْ - أخي المسلم - في ساعتك، وانظر إلى أيامك ولياليك التي مضت، كيف انطوت وانقضت وسجلت في صحائفك وتذكّرْ أن كل لحظة تمضي فإنها هي جزء من عمرك، وأنها مرصودة في سجلك {مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ}.. فاتّق الله في نفسك، واحرص على شغل أوقاتك فيما يقربك إلى ربك، ويكون سببًا لسعادتك وحسن خاتمتك.
وإن كان قد ذهب من هذا الشهر أكثره، فقد بقي فيه أجَلّه وأفضله، لقد بقي فيه العشر الأواخر التي هي خلاصته وثمرته.
وينبغي لك - أخي المسلم - أن تحرص على إيقاظ أهلك، وحثهم على اغتنام هذه الليالي المباركة تأسياً بنبينا صلى الله عليه وسلم، ومشاركة المسلمين في تعظيمها والاجتهاد فيها بأنواع الطاعة والعبادة.
خالد عبد الله العلي - وكالة الجامعة لشؤون المعاهد العلمية - الإدارة العامة لتطوير الخطط والمناهج
kal6666@hotmail.com