في مقال سابق تحدثنا عن ردود الأفعال وكيف تكون سبباً في أن نخسر ما يقارب من 90% من فرص الحياة بسببها، وأوضحنا أن ذلك يعود للثقافة الاجتماعية وطريقة التفكير.
والحديث عن السلطة الاجتماعية حديث يطول، حيث طالعتنا الصحف بخبر عن قيام زوج بتطليق زوجته لأنها، لم تربط حزام الأمان، وطبعاً عنوان الخبر كان ملفتاً، حيث إن تفاصيل الخبر تنبأ عن أن الطلاق كان ناتجاً عن تحدٍّ حدث بين الزوجين فقد كانا أصلاً على خلاف وطلبت الزوجة من زوجها أن يقوم بإيصالها إلى منزل أهلها، وعندما كانا في الطريق، رفضت الزوجة ربط حزام الأمان لأنها كانت تهدف أن تحرر لزوجها مخالفة مرورية عند نقطة تفتيش المرور، مما أدى إلى تفاعل الأمر بينهما، وقام بطلاقها.
طبعاً هذه الحادثة واحدة من حوادث كثيرة مشابهة على درجة كبيرة من السخف التي تؤكد “قلة عقل” لدى مثل هؤلاء الأشخاص الذين يصدرون قرارات مصيرية بسبب الانفعال، وطبيعي أن الغضب والانفعال من الأمور التي تفتك بالرجال وتؤدي بحياة هذا الإنسان إلى جحيم حقيقي، وهي في نظري درجة من درجات الحمق، إذا لم تكن الحمق بعينه، فينبغي على الإنسان أن يكون أكثر صبراً ومقدرة على التحمل، وألا يكون سريع الغضب، لأن هذه السمة من السمات القبيحة التي تؤدي في أحوال كثيرة إلى كوارث.
أما الحمق وما أدراك ما الحمق، فإنه أمر ليس له دواء كما قال الشاعر: لكل داء دواء يستطب به إلا الحماقة أعيت من يداويها.
هي معضلة حقيقية، تحتاج إلى علاج، وأعتقد أن العلاج لمثل هذه الأمور يبدأ من الإنسان نفسه إذا شعر أنه فعلاً بحاجة إلى التغيير، وكان يمتلك القوة الداخلية التي تمكنه من ذلك، وهناك شواهد كثيرة لأناس تغيرت حياتهم عندما قرروا التغيير، حتى لو كان هذا الأمر يحتاج إلى وقت، ويحتاج إلى صبر فإنه في نهاية المطاف بالإمكان تحقيق المراد، ويتحقق ذلك من خلال التدريب وإقناع النفس بأنك قادر على التغيير.
جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال له: أوصني، فقال له النبي: لا تغضب، لا تغضب، لا تغضب، رددها ثلاثاً في كل مرة كان يعيد فيه الرجل الطلب من الرسول بأن يوصيه.
وليس الشديد بالصرعة، ولكن الشديد من يتمالك نفسه عند الغضب، أو كما جاء في الحديث.
وهناك أمثلة كثيرة من تراثنا تدعونا إلى أن نتمالك أعصابنا.
والغريب أن هناك قصصا كثيرة نقرأها في الصحف عن جرائم قتل كان السبب الرئيسي فيها هو الغضب، وهذا أمر واقع، فقد قرأت قصة قبل سنوات نشرتها أحد الصحف، كانت من القصص الغريبة حقا، فقد تسببت المجاملة من شخص لقريبة إلى القضاء على حياته: كانت القصة ببساطة أن أحد الأشخاص في إحدى قرى جنوب الطائف كان قد دعا أحد أقاربه لوليمة عشاء، وبعد أن حضر الضيف وأثناء تناوله للعشاء كان يمتدح السيدة التي قامت بطبخ الطعام، والتي هي زوجة المضيف، وبالغ الرجل في ثنائه على الطعام، وعلى طريقة طهي الطعام، وأنه أكل لذيذ -مع وجود أشخاص كانوا ضيوف تلك الوليمة- وكان المضيف يغلي في داخله، والضيف لا يعلم شيئاً، ثم وبعد العشاء، غادر الضيف المنزل بكل حفاوة وترحاب، فما كان من المضيف إلا أن لحق بالرجل حاملاً رشاشاً، وقام بإطلاق النار عليه، حيث كان في شدة غضبه من جراء قيامه بالثناء على زوجته وعلى الطعام الذي قامت بطهيه.
هي قصص غريبة فعلا، وهناك قصص كثيرة من هذا النوع وعلى هذا المستوى، فكيف تؤدي مثل هذه القصة إلى جريمة قتل، قد لا يستوعبها أي إنسان، لكنها تحصل بسبب طريقة التفكير والثقافة الاجتماعية التي لا يزال كثير من أبناء القبائل يتشبثون بها، نسأل الله السلامة.
Kald_2345@hotmail.comk-khodare@hotmail.com