محددات الانتماء بين الرباني والبشري”.. هذا هو منطوق هذا النص الإلهي الخالد الذي عنونت به مقال اليوم، فنوح عليه السلام كما هو حال كل البشر جميعاً، يطلب من الله أن يكون ابنه ضمن منظومة الناجين فهو “من أهله”، ووعد الله لا يتغير ولا يتبدل.. {قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ} ويأتي رد الله مباشرة.. {قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ}.
إن العاطفة الأبوية أمر فطري مجبول عليه كل البشر حتى الرسل والأنبياء الذين اصطفاهم الله من بين خلقة واختارهم لرسالته، ولذا حكى الله لنا تفاصيل ما حدث للأب والابن وختم الموقف بالتوجيه الصريح الدائم إلى يوم الدين.
إن المحك والمعيار عند الله في الانتماء هو “الصلاح”.. وتتسع الدائرة لتشمل تقاطعات عدة تتجاوز الدائرة الأسرية لتشمل الحي.. المدينة.. الوطن.. الأمة، حتى والإنسان في قبره ينقطع عمله إلا من ثلاث (... وولد صالح يدعو له)، والأس الذي تقوم عليه هذه المزية هو “صلاح معتقد الإنسان وما يكنه بين حنايه من قناعات ومسلمات إزاء صلاته المختلفة بالله أولاً ثم برسله وأنبيائه وكتبه التي جاءت من أجل سعادة البشرية وسلامتها.
إن من فسد معتقده فسد عمله غالباً وإن ادعى غير ذلك وأقسم أنه لنا من الناصحين، ولذا لا يستحق أن يركب معنا في سفينة المجتمع المبحرة صوب شاطئ الأمان، فهو قد يخرق في نصيبه خرقاً فيهلك ويهلكنا معه، وإن ركب فعلى شروطنا وتحت عيننا والعزة لنا والتمكين لذاوتنا والقرار بيدنا.
إن القارئ في صفحات التاريخ الإسلامي والمتمعن في تراثنا العلمي والفكري يلحظ التركيز وبشكل كبير ومباشر على خطورة الاختلاف العقدي على كيان الأمة واستقرار الأوطان، وهذا النوع من الاختلاف من سنن الله الباقية وأقداره الماضية لا مفر منه ولا محيد عنه، ولكن التحدي الذي أمامنا.. كيف نتعامل معه ونقي بلادنا آثاره ونتائجه؟.. ولذا لابد ونحن نمر بهذا الظرف التاريخي الصعب أن نتذكر هذا الأمر ونتدارس خطورته ونعرف كيف تعامل معه من سبقنا في عصر الإسلام الأول وحتى اليوم.
لقد حاولت العلمانية أن تذيب الاختلافات العقدية في كثير من بلادنا الإسلامية وروج لها كتبٌ ومفكرون وإعلاميون وساسة واقتصاديون، ولكن بعد كل هذه السنوات نعود إلى المربع الأول ليعود الحديث من جديد عن معايير الصلاح والفساد في البلاد وبين العباد.
إن المرحلة التي تمر بها بلادنا والظروف التي تحيط بنا تذكرنا بوصية صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبدالعزيز رحمه الله رحمة واسعة لنا وهو يتحدث عن التحديات التي تواجهها بلادنا المملكة العربية السعودية، وتوجب علينا الالتفاف حول ولاة أمرنا وتصفية دواخلنا والتنازل لبعضنا البعض في سبيل تحقق مصالحنا العامة التي بها سلامتنا وسعادتنا وضمان استمرار ما نحن فيه من نعم وعلى رأسها الأمن.
إن معرفة محددات الصلاح والتفكير بها والحديث عنها ودراستها والبحث فيها والنقاش حولها لابد أن تكون شغل ثلة منا وبكل شفافية وحيادية حتى يتسنى للعامة معرفة المعايير وضبط إيقاع التصرفات اليومية التي نراها في شارع الحياة على ضوء النص القرآني الخالد بعيداً عن النزوات والرغبات والأهواء التي لا ضابط لها ولا موجه.
إننا بحاجة إلى المواطن الصالح في قلبه.. الصالح في قوله، الصالح في عمل وأتمنى من الله عز وجل أن نكون جميعاً من زمرة هؤلاء المصنفين بهذه الخانة الهامة التي ستكون عوناً لبلادنا في تجاوز المرحلة التي نمر بها بسلام.. حفظ الله الدار وحمى العرض ووقانا شر الفتن ما ظهر منها وما بطن دمتم ومن تحبون بخير.
وإلى لقاء والسلام،،،