مرت أعوام عديدة بين الرفض شبه التام من قبل فئات في المجتمع السعودي لفكرة حصول المرأة على هوية وطنية، وبين قلة كانت تؤيّد اتجاه وزارة الداخلية لاستصدار تلك الوثيقة الرسمية، وفي بواكير تنفيذ القرار جاءت نسبة اللاتي حصلن على الهوية بسيطة مقارنة بالعدد الفعلي للنساء السعوديات مما حتم على وزارة الداخلية بإصدار قرار إلزامي بحصول كل مواطنه سعودية تنطبق عليها شروط الحصول على الهوية بامتلاكها كجزء من فرض النظام وتحديد الحقوق والواجبات.. وجدت نفسي أمام هذه الصورة التي تحرّكت باتجاه التغيّر المطلوب للتطوير وأنا في مكتب الأحوال المدنية القسم النسائي (فرع الوشم) قبل شهر من الآن وكنت قبل عشر سنوات في المكان نفسه أحصل على هوية خاصة بي تقدمني بشخصي لا بغيري.
وموضوعي ليس موضوع الهوية، بل هو موضوع المكتب الذي لم يطرأ عليه أي تغيّر سوى التوسع في المكان والذي اكتظ بالعديد من النساء من مختلف الأعمار من المواطنات المتقدّمات للحصول على الهوية أو التجديد أو غيره، وعلى الرغم من أن الإجراءات توحي إليك بالتنظيم إلا أن الأمر عكس ذلك فما زالت سرمدية صورة المرأة السعودية العاملة والمرتكنة إلى اتخاذ العمل وسيلة للترفيه وتضييع الوقت هي الماثلة، فما زلنا نستخدم الصوت العالي والصراخ للتوجيه ومناداة الأسماء، وما زلنا نفترش الأرض للأكل والشراب في وقت ذروة العمل، وما زلنا نستخدم الهاتف الجوال في حديث لا علاقة له بالعمل ونحن نؤدي خدمة لمواطنة، وما زلنا لا نعطي للوقت قيمة، وما زلنا لا نحسن التعامل، ولا حتى يحسن البعض الظهور بمظهر خارجي لائق.
أن مفهوم (جودة العمل) مفهوم متعدّد الجوانب واسع الأبعاد، ولا سيما فيما يتصل بكلمة الجودة حتى تنطوي على جملة من المعايير التي تستقى عناصرها من أكثر من مصدر منها: الأداء، والتخاطب والمظهر، وإدراك أن الوقت ليس وقتي، بل هو وقت للآخرين، وغيره.
إن مكتب الأحوال المدنية - القسم النسائي هو واحد من مكاتب نسائية حكومية عديدة من المؤسف غياب ثقافة العمل عنها والوعي به، وأقصد بالوعي، الوعي بعوامل إتقانه التي قد يؤدي جهلها إلى تحول العمل إلى مجموعة من الممارسات غير الحضارية والمرفوضة.
أداء العمل وإدراك قيمته هو جواز السفر الذي يقدّمنا للآخرين وهو الذي يحكم به الآخرون علينا.