هذه المشاهد ليست مشتقة من الخيال بل إنها -يشهد الله- مشاهد واقعية تعبر عن لقطات حية تجري بيننا وأمامنا كل يوم ولشدة تكرارها بتنا لا نلحظ ما فيها من تشوه في ذاتها وفي تفاصيلها وما فيها من تشويه لسمعة الوطن في الخارج والأقسى هو ذلك الضرر الذي تلحقه بحس الولاء والانتماء..
وإليكم بعض المشاهد:
مشهد عابر وليس عابراً “سيدة تسترزق على الرصيف ببضاعة من مشغولاتها اليدوية مطرزات وأطعمة وفضيات يتصدى لها موظف البلدية، يصادر بضاعتها ولا يعيدها لها ما لم تحضر “ولياً” يكفلها ويضمن عدم عودتها لمخالفة الأنظمة البلدية.
تحاول أن تفهمه أن أبناءها الذكور قصرا ووالدها ووالدهم متوفيان وليس لديها “ولي”.
يشيح الموظف بوجهه عنها مغمغما أنه النظام: يحضر وليك لاستعادة البضاعة”.
مشهد نادر وليس نادراً “سيدة خمسينية خدمت وطنها بروحها وعقلها ووجدانها منذ كانت معلمة صغيرة في أول دفعة من خريجات معهد المعلمات بالرياض وعمرها أربعة عشر عاما إلى أن أصبحت في موقع قيادي لعدد من جيل الشباب الوطني المعتز بهويته الحضارية والوطنية قبل وبعد أن حصلت على الدكتوراه في علم من العلوم المؤثرة في حياة الشعوب, هذا عدى ما قدمته للوطن من أبناء وبنات في تخصصات علمية هامة في أكثر من مجال معرفي.
تقف السيدة في طريقها إلى عمل بالخارج أمام موظف الجوازات باعتزاز كمواطنة سوية لها حقوق المساواة على وطنها في الحل والترحال.
فجأة تتحول السيدة إلى مواطنة ناقصة تنحني على جرحها وهي تُدفع بالنواجذ لموقف لا تحسد عليه من المسكنة والاستجداء حيث لا يشفع لها سفر اثنين من أبنائها البالغين معها ولا عمرها ولا موقعها التربوي المتقدم لخدمة الوطن في تجنب منعها من السفر ما لم يكن معها “الورقة الصفراء” بتصريح ساري المفعول ومجدد من قبل من هو وليها وهو أخوها الأصغر”.
تحاول أن تحتمي السيدة من نظام انتقاص مواطنتها بمنطق النظام: معي اثنين من المحارم.
الإجابة: النظام يطلب موافقة الولي على السفر وليس فقط وجود محرم.
السيدة ولكنني سيدة لست صغيرة ومربية.
يـ”ابنة الحلال”، نظام طلب التصريح من الولي تحديدا لا يعرف صغيرا أو كبيرا إنه النظام.
عليها أن تعود أدراجها لريثما يعود “ولي أمرها” الأخ الأصغر من السفر فيجدد تصريح السفر لـ”أخته الكبرى”، لتتمكن من السفر مع اثنين من أبنائها البالغين.
والسؤال أي نظام ذلك الذي يسمح بالتعامل مع المواطنة ككقاصر وإن كانت مواطنة صالحة بمفهوم التفاني في خدمة الوطن، وإن كانت إنسانة بالغة راشدة كاملة الأهلية.
مشهد آخر وليس أخيراً
ولكن “وليها” لم يرها منذ كان عمرها عشر سنوات ولا يعرف إن كانت حية أو ميتة لا يهم فهو “الولي”.
لا اعتراض على مبدأ الولاية, ولكن النقطة أنه للولاية شروط فلماذا لا تحدد وتوضح للأطراف المعنية بما يمكن به التحقق من استحقاق الولاية وفي حالة القصر فقط من عدم.
أما مسألة الوصاية على النساء باسم الولاية ونزع ولاية المرأة على نفسها ووضعها بيد سواها فهو من المسائل التي بات من الملح إعادة النظر فيها.
هل هناك مواطنة بدون ولاية الذات أربعة أركان نحتاجها في علاقة النساء بالنظام وفي علاقة المجتمع بالنساء, منظومة قانونية تقر وتحمي حقوق النساء كجزء من منظومة الحقوق الأساسية للمواطنة, نظام لا يعزز الأقوال والأفعال التي تحرم المرأة حقها في الأهلية والرشد والمواطنة, تجسير الفجوة في علاقة الذات الأنثوية بنفسها وأخيرا إعادة الاعتبار لعلاقة النساء بالنساء وعلاقة المرأة بالرجل على أساس من الشراكة والمساواة.
يتعارض تحقيق حقوق المواطنة بدون ولاية الذات فكيف يكون الإنسان مواطنا مسؤولا أمام الله وأمام الدولة وأمام المجتمع وأمام نفسه, له حقوق وعليه واجبات في حين تحجب عنه ولاية الذات.
كما يناقض مفهوم الوقوع تحت الوصاية مع مفهوم الأهلية والرشد والبلوغ التي هي من أساسيات بل أساسيات في مفهوم المواطنة.
ولذلك يمكن القول إن المشاهد المذكورة ليست إشكاليات ذاتية بل إنها في تحليلها داخل الإطار السياسي والاجتماعي تعكس إشكالا في بنية وفي العلاقات وفي النظام لا بد في مواجهته من العمل الفقهي والسياسي لأن كمال الولاية على الذات هو شرط أولي من شروط المواطنة في الدول.
Fowziyaat@hotmail.com