إنّ كثير الالتفات، لاستراق السمع والنظر على حياة الآخرين، وإن كان بحجّة تقويم سلوكهم وأفكارهم، إلاّ أنه لن يتعدّى التطفُّل، والتدخُّل في شئون الآخرين، في حين ترك حياته عارية من المراقبة والاكتشاف والإصلاح.
فالمشغول بنفسه وبيته، لن يجد وقتاً ليفتّش فيه عن تحرّكات الآخرين.
إنهم وكالة الأخبار الاجتماعية، جلّ أخبارهم عن مصائب الناس وعثراتهم، يترأسون المجالس، ولهم شعبية، كون البسطاء يظنون أنهم يعرفون كل شيء، لا يتحدثون عن أنفسهم إلاّ لماماً، ولا يطرقون مواضيع هامة، ذاكرتهم قوية، بحثت عن علّتهم ووجدت ديفيد فيسكوت يقول عنهم: “إنّ الذين لا يشعرون بالأمان دائماً ما ينظرون إلى ما يفعله الآخرون، إنّ مثل هؤلاء يتملّكهم الخوف خشية أن يُلحق بهم، ويتملّكهم خوف شديد من أي شخص، لدرجة أنهم يتوقّفون عن التركيز على أهدافهم الخاصة”.
إنْ كان ديفيد على حق، فإنّ مظهرهم الواثق ليس إلاّ قناعاً يخفي هالة الهلع التي تحيطهم على الدوام، لأنهم يخفون كثيراً من حياتهم خلف صفحات موثقة عن حياة الناس، وهي استراتيجية قديمة لكنها فعّالة، يستخدمها عادة أذكى اللصوص كأحد بنود خططه عند القيام بالسرقة، من خلال توجيه الأنظار لحدث مفاجئ وهام، ليترك الساحة فارغة وآمنة، ويعبر بمسروقاته دون أن ينتبه له أحد!
هل يشكّلون عائقاً من أيّ نوع على المجتمع؟ بالطّبع نعم، فهم نواة صغرى للشر الأكبر، لأنّ إشغال الناس بالناس كفيل بخلق التفاهة، وتمييع للهدف، وغضّ الطرف عن الخطر الحقيقي، من فساد وتجاوزات و و و ... إلخ.
ذاك النوع خرج من ذات المجالس، إنهم يأخذون المجتمع لطريق مظلم، ينتهي غالباً بحروب أهلية، تُعرف بدايتها، لكن بنهاية مفتوحة، كل فريق يزعم أنّ الحق معه.
وكيف يمكن للحق أن يكون بمعيّة الكراهية ونبذ الآخر وإقصائه؟
amal.f33@hotmail.com