تكلمنا سابقاً عن أهمية الرياضة وفوائدها العظيمة للجسم، لكن كتاب «قواعد المخ» للكاتب جون مدينا فتح عينيّ على شيء شيق: الرياضة تزيد الذكاء!
تجارب لا حصر لها أظهرت أن كثيري الحركة أحدّ أذهاناً ممن لا يتحركون وأقوى من كل النواحي العقلية: الذاكرة طويلة المدى، الاستنتاج، الانتباه، حل المشكلات، وغيرها. لما أراد العلماء التأكد كان الأسلوب أن يأخذوا الخامل ويجعلوه يتحرك، فلما جعلوا بعض الأطفال يهرولون 30 دقيقة مرتين أو ثلاثا في الأسبوع تحسنت قواهم العقلية بشكلٍ كبير. طلبوا من الأطفال أن يتوقفوا عن الرياضة، ولاحظوا أن المنافع زالت. حينها فكّر العلماء: ما الكمية اللازمة من الرياضة ليحصد المرء هذه المنافع؟ الجواب المدهش: أقل مما نتوقع. القليل من المشي عدة مرات في الأسبوع ينفع عقلك. أما النتيجة الأفضل على الإطلاق فكانت التمارين القلبية 30 دقيقة مرتين أو ثلاثا أسبوعياً (التمارين القلبية هي التي تجعل القلب ينبض بسرعة كالهرولة والسباحة وغيرها)، وإذا أضفنا تمارين التقوية فتزداد المنافع التي تهديها للعقل. لاحظ أننا قلنا «العقل» لأن هذا هو موضوع الكتاب، وإلا فمنافع الرياضة للقلب والنفسية والنوم إلخ لا تُحصى.
احتمالات الإصابة بالخرف تقل بمقدار النصف إذا كنت كثير الحركة، خاصة في التمارين القلبية، وأما مرض الزهايمر فتقل احتمالاته بنسبة 60% مع الرياضة المستمرة! ومن الأشياء التي تحسّنها الرياضة هو ما يسمى الذكاء السَلِس وهو نوع من الذكاء يتطلب ذهناً حاضراً وقدرة سريعة على حل المشكلات، وهذا ما ظهر لما أُجرِيَت دراسة ضخمة على عشرة آلاف بريطاني.
أليست منافع مدهشة؟ إليكم المزيد: امش مشياً عادياً 20 دقيقة في اليوم أو العب كرة القدم 30 دقيقة ثلاث مرات في الأسبوع وستنزل احتمالات الإصابة بالجلطة 57%، وهي من أسباب التدهور العقلي لدى المسنين. أما الأمور النفسية فيقول العلماء أن الرياضة تؤثر إيجابياً على ثلاثة هرمونات لها علاقة وطيدة بالصحة النفسية وهي سيروتونين ودوبامين ونورإبينفرين، وهو ما دعا بعض الأطباء النفسيين إلى شطب مضادات الاكتئاب من علاج مرضاهم وجعلوا مكانها الرياضة الشاقة والتي لها أعاجيب في الصحة النفسية، وكل أطباء النفس يوصون بالرياضة كجزء من علاج الأمراض النفسية وتخفيفها.
وليس الكبار فقط هم الذين يستفيدون بل الأطفال كذلك، فغير التجربة المذكورة في الأعلى فإن الأطفال كثيري الحركة أفضل من الخاملين في الدقة البصرية وكذلك التركيز، ولاحَظوا أن أدمغتهم أقدر على استجماع طاقات عقلية أكبر ولمدة أطول. بل من الفوائد الإضافية أن الأطفال الأكثر رياضة يسهل عليهم الانتباه لدروسهم، وثمة عوامل أخرى تعين دراستهم مثل أنهم يشعرون بالثقة أكثر من الخاملين ويقل لديهم القلق.
خذوا قصة جون ماك آدم. إنه مهندس اسكتلندي عاش في أوائل القرن التاسع عشر، كانت الطرق آنذاك طينية مليئة بالحفر مما كان يُعسّر نقل السلع والتموينات. كانت فكرته أن يرفع مستوى الطريق قليلاً بالحصى وأن يردم الحفر، ونجحت الفكرة نجاحاً باهراً، فصار نقل البضائع والوصول لها أسهل وأسرع بكثير، وازدهرت التجارة بسبب هذا، وصاروا يصنعون طرقاً أكثر تؤدي لأي مكان حتى لو كان صغيراً. هذا ما يحدث في مخك عندما تتريض، فيفرز الجسم مادة اسمها أحادي أكسيد النيتروجين تنظّم تدفّق الدم، ومع تحسّن مرور الدم في الأوعية الدموية فإن الجسم يصنع أوعية جديدة تتغلغل في الجسم في مناطق أعمق وأصغر، وكما حصل في اسكتلندا فإن وصول الدم لمختلف أعضاء الجسم صار أسهل مما يزيل فضلات الخلايا وينقل لها الغذاء، وكلما زادت حركتك زات كمية الفضلات التي ينفيها الجسم والمواد الغذائية التي توزَّع على الخلايا، وهكذا تزداد صحة وقوة، ومما يستفيد من ذلك منطقة مسؤولة عن تشكيل الذكريات في المخ، فيصير اتصال المخ مع تلك المنطقة أسهل والذاكرة أفضل.
حركة قليلة، منافع هائلة، إنها صفقة لا تُضيَّع!