استعرت عنوان مقالتي اليوم، مع تحريف بسيط، من عنوان مقالة متميزة كتبها الأخ فهد العجلان يوم أمس الأول بعنوان: «الدبلوماسية الشعبية.. الذراع السعودية القصيرة» والتي أشار فيها إلى أهمية الدبلوماسية الشعبية التي تتعاطى مع الأفراد والمؤسسات غير الحكومية، ما يمنحها «العمق والقوة والتأثير الأمر الذي يجعل خبراء الدبلوماسية يجمعون على أن أقوى أشكال التأثير على الساسة يأتي من خلال قلوب شعوبها».
أتفق مع كل كلمة جاءت في مقالة الأخ العجلان، ولعلي أضيف لها أهمية المساعدات التنموية في مد جسور التواصل والثقة وعمق التأثير في الشعوب المتلقية لها.. السعودية من أكبر الدول المانحة في العالم، وأكثرها سخاء في إغاثة الشعوب وتقديم المساعدات المالية، إلا أنها قلما تستفيد من مساعداتها المقدمة في بناء العلاقات المثلى مع الشعوب، وبناء قاعدة جماهيرية راسخة بسبب تركيزها على الحكومات المُتغيرة لا الشعوب الثابتة.. ورغم أخطاء الماضي استمرت السعودية في ممارسة دورها الإغاثي والتنموي بأسلوبها التقليدي ما تسبب لها ببعض الإشكالات.
في حرب الخليج، عانت السعودية كثيراً بسبب وقوف بعض حكومات الدول العربية، الأكثر تلقياً لمساعداتها المالية، في الخندق المعادي لها، مدعومة بتأييد شعبي غير مسبوق!!. وفي لبنان، تعرضت السعودية لأكثر الحملات الإعلامية (عُهراً) وتزويراً، وبدلاً من حصولها على الشكر لما قدمته للبنان خلال ثلاثين عاماً، تلقت سيلاً جارفاً من المعاداة الشعبية، الإعلامية، والحكومية. ولا أظن أنني في حاجة للتذكير بالموقف السوري الجاحد، ونكرانه الجميل، وبذاءة لسان بشار الأسد وحمق تصرفاته، وجرأته التي قادته إلى معاداة شعبه قبل الآخرين.
في اليمن كانت الجرأة الشعبية مختلفة هذه المرة حيث تجرأ الحوثيين على حدودنا الجنوبية بدعم من إيران، وهي جرأة وجدت لدى بعض اليمنيين قبولاً وتأييداً، ومن الحكومة تجاهلاً لأسباب تكسبية.
بالرغم من المساعدات السخية لم تنجح السعودية في صنع قاعدة جماهيرية في اليمن، ولو فعلت لما استطاعت إيران بقليل من المال القذر تجييش الشارع ضدها.
أما مصر، فاستغلت المساعدات المالية للإساءة إلى الشعب السعودي ورموزه، وتسابق الساسة في تبني نظريات المؤامرة والتخوين، واتهام الحكومة السعودية باستغلال المساعدات للتدخل في شؤونهم الداخلية!. مواقف شعبية معادية، تدفع الحكومات لتبني قرارات مُسيئة دون أن تخشى ردود الأفعال.
المساعدات السعودية السخية تُدفع عبر القنوات الرسمية، وهذا يفقدها الكثير من الفاعلية ويعرضها للاستغلال من قِبل الحكومات والزعامات السياسية، التي تنكر في كثير من الأحيان استلامها، وقد حدث ذلك مع أكثر من دولة عربية.
تلك المساعدات قادرة على أن تحقق التنمية والدعم والحصول على العمق والتأييد الشعبي في الدول المتلقية، إذا ما استثمرت الاستثمار الأمثل وضُخت في قنواتها بإشراف سعودي خالص كما تفعل الدول الأوربية في إدارة مساعداتها المُقدمة للدول العربية ودول العالم.
دفع رواتب الحكومات، وتوفير النفط بأسعار مدعومة أو من خلال منح مباشرة، والتمويل من خلال الحكومات يفقد المساعدات السعودية هويتها لدى الشعب، ويُعطي الحكومات حق الإنكار والتهميش.
أما المساعدات التنموية التي تُثمر عن منشآت تعليمية وصحية ومدن سكانية، ومرافق تنموية بارزة في المجتمع ومساعدات مباشرة للمستحقين من خلال فرق سعودية متخصصة فلا يمكن نسيانها أو جحودها، وهي كفيلة بمد جسور العلاقة الشعبية وتوثيقها، وهي العلاقة الأكثر رسوخاً من علاقات الحكومات المتغيرة.
يجب أن نعترف أن النوايا الحسنة، والمساعدات السخية، والعلاقات الأخوية السعودية مع الدول العربية والإسلامية لم تستطع بناء علاقة شعبية راسخة وداعمة للموقف السعودي، أو على الأقل محايدة خالية من التجني، وهذا خطأ إستراتيجي.
كيف استطاعت إيران السيطرة على بعض الحكومات والشعوب العربية وهي لم تُنفق ربع ما أنفقته السعودية في مساعداتها الإنسانية والتنموية، إيران تجاوزت الحكومات إلى الشعوب، والزعامات الشعبية، واستغلت سياسات التنفيع الخاصة للسيطرة على العامة من خلال الإعلام، والجمعيات، والهيئات، والمنظمات بأنواعها، وخلطت بين الأدوات السياسية، الإعلامية، الشعبية، المالية، والاستخباراتية بخبث ودهاء فحققت هدفها بأقل التكاليف.
العبرة ليست في حجم الإنفاق بل في كفاءته، وهذا ما تحتاجه السعودية في مساعداتها الخارجية.
إيران تستغل المال السياسي القذر في إحداث التغيير الاجتماعي، الثقافي، والشعبي في الدول الإسلامية والعربية، وفق خطة إستراتيجية محكمة، أثبتت الأيام نجاعتها.. السيطرة على المجتمعات العربية وفرض هوية ثقافية تابعة للدولة الصفوية بات أمراً ظاهراً ومتغلغلاً في كثير من الدول.
نحن لا نريد تقمص الدور الإيراني الخبيث، بل نريد لدورنا الإنساني والإغاثي، الذي نرجو فيه وجه الله، أن يثمر وأن يتسبب في مد جسور العلاقة مع الشعوب، وبما يحقق الخير والصلاح للجميع، لا أحد يُشكك في الدور السعودي الرامي إلى استقرار الدول العربية والإسلامية ورفاهيتها، وهو دور يواجهه الغرب ومحور الشر في المنطقة بحبائل الشيطان، فإن لم نعمل على مواجهة خططهم الشيطانية كنا أول المُتأثرين بها.
دُبلوماسية المساعدات التنموية قد تكون مفتاحاً للدبلوماسية الشعبية، متى أُحسن التعامل معها من خلال إستراتيجيات محكمة، تنفذها فرق عمل متخصصة مسؤولة عن استثمار المساعدات المالية في مشروعات تنموية بارزة وبأيدٍ سعودية خالصة قادرة على بناء المرافق التنموية، وترسيخ الثقافة الإسلامية العربية والعلاقات الشعبية في آن.
f.albuainain@hotmail.com