لا يمكن أن يصل الممثل إلى مرحلة (الصدق الفني) إلاّ عندما يكون هناك نص متكامل مكتوب وفقاً لشروط الدراما، والصدق الفني هو أعلى مرحلة يصل إليها العمل الدرامي، بحيث يؤسس لتواصل وجداني بين الممثل والمشاهد، ويصل إلى مرحلة يشعر المشاهد بأنّ ما يشاهده هو حقيقة ماثلة أمامه.
ومن الضروري أن يكون الكاتب الدرامي يعي (نظرية الدراما) التي تكلم عنها أرسطو من آلاف السنين وما زالت باقية حتى اليوم، على اعتبار أنّ أرسطو اكتشفها ولم يخترعها، واستمرارها جاء بوصفها سنّة كونية لا تتغيّر.
(نظرية الدراما) تؤكد باستمرار أنّ الدراما ليس لها علاقة بمناقشة هموم الناس، وأنّ هناك فرقاً بين نقل الحياة اليومية على الشاشة أو صناعة عالم درامي مستقل بذاته منفصل عن الواقع، هذا هو الخلل الجوهري في الأعمال المحلية لهذا العام تحديداً، ومناقشة الهموم اليومية للمجتمع ورّطت الأعمال الدرامية في كثير من المباشرة والنصائح والتربية. لدينا نجوم تمثيل، ولدينا مواهب تمثيلية شبابية متميّزة، ولدينا ميزانيات ضخمة، ولكن ليس لدينا كاتب نص يعي (مفهوم) نظرية الدراما بكل مستوياتها الفنية إلاّ فيما ندر، ما يجعلني أحمّل كتّاب السيناريو الأخطاء الفنية التي تحدثت عنها الجماهير والنقاد والإعلام الجديد. الكتابة الضعيفة تعطي الفرصة للآخرين (منتج، ممثل، مخرج)، في التدخل والتعديل والإضافة والحذف، أما الكتابة الدرامية المنفّذة وفقاً لشرط الدراما ذات البنية المتماسكة، فلن تدع مجالاً للتغيير، فلا أحد مثلاً يمكن أن يعدّل في قصيدة للشاعر المتنبي لأنّ قصيدته تنطوي على شروط الشعر العربي الفصيح. هناك محاولات جادة عند بعض كتّاب السيناريو، ولكنها قليلة لا تفي بحجم الطلب على الأعمال الدرامية، فأعداد المتميزين قليل جداً، ما يجعل بعض المنتجين يلجأ إلى كتّاب أقل مستوى في ظل التعميد المتأخر الذي يطالب المنتج بإنجاز عمل درامي من 30 حلقة في فترة قصيرة تؤثر سلباً على الإنتاج. بصفة عامة هذه الثورة الدرامية تسجل لصالح الحراك الدرامي المحلي، وخلال السنوات القادمة ـ في تقديري ـ سيكون هناك عمليات (فرز) تلقائية ستعطي للأعمال الدرامية المتميزة حقها من التعميد والإعلام والتأثير.
nlp1975@gmail.com