أثار هذا السؤال إلهام أحد الخطباء المعروفين في حائل، ونقله لنا في اجتماعنا الأسري الأسبوعي أحد الأقارب الذين صلوا خلفه وانشغل بما قيل حوله في ثنايا الخطبة، كان هذا قبل أكثر من سبعة أشهر - إن لم تخني الذاكرة - ومع ذلك ما زال هذا التساؤل يدور في الذهن، أفكر فيه، وأتمنى أن أسمع إجابة أكثر عدد ممكن من جميع شرائح المجتمع عليه، ليس لأنه يتعلق بما بعد الموت فحسب، ولكن لأنني أعتقد أن مجرد التفكير بالإجابة عليه يعطيك مساحة واسعة للحوار مع نفسك ومن ثم إعادة حساباتك في علاقتك بمن حولك وما بين يدك.. حتى الأرض التي تسجد عليها ستفتقدك إذا كنت من أهل الصلاة.. وإن كنت صاحب قيام ليل سيفتقدك الثلث الآخر وسجادتك ومصحفك.. وإن كنت خطيباً سيفتقدك المحراب.. وإن كنت داعية تتنقل بين القرى والهجر الفقيرة تبلغ كلام الله سيفتقدك إنسان هذه القارة أو تلك.. وإن كنت مؤذناً فسيفتقدك الشجر والحجر والحي الذي تسكنه، وكل إنسان يستيقظ على صوتك الندي ليؤدي صلاة الفجر أو العصر أو...، وإن كنت إماماً سيفتقدك الكثير من المصلين خاصة في رمضان.. وإن كنت كاتباً صادقاً فيما تسطر فسيفتقدك القارئ الصالح.. وإن كنت تأتي المرضى تواسيهم وتسليهم وتدعو لهم فسيفتقدك من هم على الأسرة البيضاء.. وإن كنت تزور الموت وهم في قبورهم فهم كذلك سيفتقدونك.. والمعاقين واليتامى والمعوزين سيفتقدون كل من كان يقف معهم في محنتهم التي يعيشونها.. وإن كنت طبيباً...، وإن كنت معلماً...، لكن إذا كنت على هامش الحياة أو أن دورك في الدنيا دوراً سلبياً لا يتعدى دائرة الذات أو الترفيه والضحك أو... فلن يفتقدك أحد على الحقيقة أو أن من يفتقدك هم من عرفوك وارتبطوا بك لأمور دونية لا تستحق أن تضع نفسك في خانة أهلها وتضيع عمرك الغالي من أجلها، أشد من هذا حالاً إذا كان رحيلك من الدنيا الناس سبباً لفرحهم واستبشارهم والعياذ بالله!!
أذكر شاباً كان يعمل معلماً لمادة التربية البدنية في قرية قريبة من حائل، ثم انتقال للعمل داخل المدينة، توفي رحمه الله رحمة واسعة قبل سنوات إثر مرض ألم به ولم يمهله كثيراً، كنا نحن من نعرفه نظنه إنساناً عادياً ملتزماً بأداء الواجبات الدينية وليس له في باب الخير باع طويل يذكر، وإذ بعدد من الأسر الفقيرة المعدمة التي توجد في القرية التي كان يُدرس فيها يذكرون من صدقاته ومساعدته ما يعجز عنه كثير من أصحاب المال، لقد كان رحمه الله يقتطع جزءًا كبيراً من راتبه الشهري ويدفعه إلى بيوت فقيرة عرفها عن قرب، وحين حل الموعد المعتاد، فقدوه وسألوا عنه فقيل لهم إنه مريض، انتظروا الشهر الثاني، والثالث و...، وحين مات عُرف سر الانتظار!! لقد أحب هذا الشاب المساكين وعاش معهم علم جاهلهم وأرشد ضالهم ومد يد العون للمحتاج منهم يريد بذلك وجه الله فافتقدوه حين مات، وأنت من سيفتقدك بعد أن تكون في عداد أهل القبور؟
ينبثق عن هذا السؤال الرئيس أسئلة فرعية عدة أهمها في نظري:
من هم أولئك الذين سيفتقدونك؟
لماذا سيشعرون بمرارة فقدك ؟
كم من الزمن سيدوم هذا الشعور؟
هل فكرت ماذا سيقول الناس عنك يوم رحيلك عن عالمهم إلى الدار الآخرة مروراً بالبرزخ؟
هل سيرسلون الدعوات إلى الله إذا ذكروك بعد رحيلك، أم أنهم والعياذ بالله سيقولون غير ذلك؟
كثير منا لم يفكر بهذه الأسئلة وليس في حسبانه أياً منها، ولذلك كانت الكتابة عن هذا الموضوع الهام - في نظري- اليوم.
أخي القارئ الكريم : فكر في هذا السؤال كثيراً، واحرص على أن تكون رقماً مهماً في مضمار الخير ما استطعت إلى ذلك سبيلا حتى لا يكون وجودك وعدمك في دنيا الناس سواء، وأتمنى من كل قلبي أن أصبح أنا وتصبح أنت وهو وهي، أن نصبح جميعاً من هؤلاء الذين يفتقدهم أهل الخير والصلاح والفقراء والمعوزين والمحتاجين والمساكين حتى يبقى لنا دعوة صالحة من هؤلاء الذين هم شهداء الله في الأرض بعد الممات، دمتم بخير.