هناك دول لا يهمها أصلا ً أي تعاون تبادلي مع العالم، منها كوريا الشمالية بالمطلق وفي أغلب الأمور إيران، ولذلك أصبحتا معزولتين عن أغلب النشاطات البشرية، ويتم التعامل معهما خلف الكواليس في الخفاء وبشروط أكثر كلفةً. دول مجلس التعاون الخليجي على العكس تماما ً لديها رغبة ملحّة وصادقة في أن تكون شريكا ً فاعلا ً مؤثرا ً ومتأثرا ً في كل نشاط بشري يفتح الباب للقبول الحسن في المحافل الدولية.
كل دولة في العالم، كبيرة ً كانت أم صغيرة ً تهمها الدرجة التي تقاس بها في معايير الهيئات والمنظمات والمؤتمرات والندوات العالمية.
أصبحت كل دولة تحت المجهر داخل إطار حقوق الإنسان كنظام عالمي ملزم لمن صادق ووقع عليه.
يدخل ضمن هذا الإطار الملزم حقوق المواطن داخل دولته في الحريات الشخصية التي لا تنتهك حقوق الآخرين، وأهمها حرية الرأي، وكذلك حقوق المرأة في المساواة الشرعية والقانونية، وحقوق الطفل في الرعاية والتربية والتعليم والحماية من الاستغلال بجميع أنواعه، وحقوق الأقليات الأجنبية الموجودة داخل دول أخرى، إلى آخر الحقوق.
ليس سرا ً أنّ دول مجلس التعاون الخليجي، والمملكة العربية السعودية بالذات تتعرّض لضغوط كبيرة في الهيئات والمنظمات الدولية في مجالين مهمّين من ميادين التعاون التفاعلي الدولي.
يجب التنويه من هنا، قبل الاسترسال في التوضيح، على أنّ الدول تمارس الابتزاز ضد بعضها في المحافل الدولية، بمعنى إنْ لم تكن متعاونا ً بالكامل في مجال ما لأسبابك الخاصة فقد تخسر بعض النقاط في تعاملاتك الدولية في مجالات أخرى.
المجال الأول والأهم في الميدانين المذكورين أعلاه هو مجال التمثيل البرلماني المستقل عن تدخل السلطات، ويدخل فيه حصول المرأة على حصتها العادلة في التمثيل البرلماني الوطني.
المجال الثاني، والأقل أهمية لأنه يمكن عند الضرورة الاستغناء عنه أو تأجيله، هو تمثيل المرأة السعودية في المناسبات الرياضية العالمية التي تقام بشكل دوري وتتنافس عواصم العالم على استضافتها لأسباب اقتصادية وسياسية وثقافية وإعلامية.
ليس سرا ً أيضا ً أنّ التمثيل البرلماني للمواطن الخليجي في دوله المعنيّة وللمواطن السعودي في بلاده، لا يمكن أن يسمّى بالتمثيل المطابق للمواصفات العالمية لحقوق الإنسان بالتمثيل البرلماني المستقل، ليس للرجل فقط ولكن لكلا الجنسين.
ومرة ثالثة ً، إنه ليس سرا ً أنّ المجتمع الخليجي، وبالأخص المجتمع السعودي، لا يرى ولا يدرك أية أهمية للنشاط الرياضي النسائي، ليس لأسباب صحية ولا نفسية ترويحيــة ولا لتـلازم صحة العقل والجسد، ولا لأيّ سبب في السماء أو فوق الأرض. إذا كان هذا هو المفهوم الاجتمـــاعي لممارسة الرياضة في الداخل، فما بالك بذلك في الخارج أمام عيون وكاميرات العالم والعياذ بالله.
هنا نستطيع أن نستنتج إمكانية تبادل مصالح بين النظرة الحكومية لمواصفات التمثيل الوطني البرلماني، وبين النظرة الاجتماعية المحافظة، انطلاقا ً من رفض مبدئي غير قابل للنقاش لمشاركة المرأة في الأنشطة الرياضية الداخلية والخارجية، وهو رفض له فقهه وفقهاؤه.
للحكومات الخليجية مواصفاتها وشروطها في التمثيل البرلماني الوطني، وللمجتمع المحافظ مواصفاته وشروطه في القدر المتاح لحركة المرأة ومشاركتها في النشاطات الرياضية.
من هذا أيضا ً نستطيع إدراك الموقف الذي وجدت الدول الخليجية نفسها فيه أمام المحافل الدولية، ولذلك لابد من إيجاد تخريجة ترضي كل الأطراف قدر الإمكان، بما في ذلك الطرف العالمي الخارجي والطرف الاجتماعي الداخلي المحافظ والطرف الحكومي السيادي، فيما يخص مواصفاته للتمثيل البرلماني.
لذلك، وربما فقط لذلك عشنا ورأينا التالي:
1 - رأينا وعدا ً قاطعا ً بتمثيل برلماني للمرأة في مجلس الشورى في دورته القادمة بعدد محدد وبطريقة التعيين وشرط الفصل الكامل بين البرلمانيين والبرلمانيات.
هذا التمثيل القادم يتقبّله البرلمانيون العالميون على مضض ويتقبّله المجتمع السعودي المحافظ على مضض أيضا ً، ولكنه حل يخدم كل الأطراف.
كونه شراء وقت وحلاً مؤقتاً، هذا أمر لا شك فيه وبيننا الأيام.
2 - رأينا تمثيلا ً للمرأة السعودية في دورة لندن الألومبية بفتاتين سعوديتين فقط لا غير.
هذا تمثيل حصل بعد مماطلات متكررة ونفي من الرئاسة العامة لرعاية الشباب أمام الداخل ومحاولات إقناع من ذات الجهة للعالم الخارجي بما تيسّر الحصول عليه.
العقدة التي تركت وتم الانتقال إلى التي تليها هي أنّ المرأة من الأصل غير مسموح لها بممارسة الرياضة في داخل وطنها الذي تعيش فيه وتنتمي إليه.
إذا ً لماذا الحرص على إعطائها فرصة لتمثيل وطنها رياضيا ً في الخارج، العالم في انتظار هذه الإجابة.
كل ذلك قد يكون لما تمّت الإشارة إليه آنفا ً.. والله أعلم.